يعد العنف الأسري من بين أكثر أنواع العنف انتشارا بالجزائر وإن ظهرت خلال السنوات الأخيرة أنواع أخرى طغت على المجتمع كتعنيف المرأة على يد الغرباء بالأماكن العامة والعمل والشارع وغيره، إلا أن العنف الأسري مايزال يشغل أهل الاختصاص في الجزائر - خاصة مع حلول اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة - سواء أكانوا علماء نفس أو رجال قانون أو جمعيات نسوية ومصالح أمن نظرا لارتباطه الشديد بعادات المجتمع الذي مازال يكرس نظرية عنف الرجل ضد المرأة ويبيحها تحت غطاء العرف. أكدت السيدة نورة حشاني مديرة المجلس الوطني للأسرة والمرأة في تدخلها في حصة إليك في القناة الأولى للإذاعة الوطنية حول العنف داخل الأسرة الجزائرية أن المرأة الجزائرية ماتزال لحد الساعة تتكتم على ما تتعرض له من أشكال عنف مختلفة يمارسها عليها الزوج بصفة خاصة، وهي تتكتم على الأمر محاولة منها تفادي ما هو أفظع أي الطلاق وما ينجر عنه من تبعات قد لا تحمد عقباها كالطرد من البيت ومن ثم تشريد أطفالها. وهنا تؤكد السيدة حشاني بأن هناك فراغا قانونيا كبيرا يظهر على الإجراءات المتخذة لحماية المرأة من العنف وضمان حقوقها وحقوق أبنائها. وفي هذا السياق تؤكد ذات المتحدثة بأن مؤسستها لن تتوانى عن اتخاذ أي إجراء لحماية المرأة المعنفة على يد الطرف الآخر، مشددة على ضرورة توعية النساء وإطلاعهن على حقوقهن المكفولة قانونا وكذا واجباتهن المطلوب منهن الالتزام بأدائها. ورغم أن التعديلات المدخلة على قانون الأسرة الجزائري تكفل للمطلقة سكنا يوفره لها طليقها إذا كانت منجبة منه، إلا أن الواقع يظهر مخالفا لإرادة المشرع، حيث تقول الأستاذة المحامية معيوف مريم إن هناك مصاعب كبيرة تعترض تطبيق المواد القانونية الجديدة التي سنها المشرّع الجزائري في قانون الأسرة، فرغم أن الكثير من تلك المواد تكفل حقوق المرأة خاصة إذا ما تعلق الأمر بحقوقها بعد الطلاق كالحق في السكن والنفقة وغيرها، إلا أن الكثير من المطلقات تجدن أنفسهن مشردات في الشارع رغم أن القانون منحهن صفة الحاضنة التي بموجبها تحصل المرأة المطلقة على البيت والنفقة من قبل الطليق. العنف الأسري... نتيجة حتمية للمشاكل الاجتماعية يرجع عدد من المهتمين بشؤون المرأة أن ما تتعرض له النساء من عنف خاصة على يد أفراد الأسرة إلى المشاكل الاجتماعية العديدة التي يتخبط فيها عدد كبير من أفراد المجتمع مثل البطالة والمخدرات وأزمة السكن، وقد أكدت السيدة حشاني في هذا الصدد أن هذه الأوضاع أثرت سلبا على الأسرة الجزائرية والمجتمع برمته، وأضافت أن العنف الذي تتعرض له النساء والأطفال متعدد الأشكال والأهم أن المرأة ورغم كونها ضحية إلا أنها تظل الملامة الوحيدة والمتهمة في نفس الوقت. ويعكس كلام السدة حشاني واقعا مريرا تعيشه الجزائريات خاصة المعنفات من قبل أفراد أسرهن، فالتقاليد والأعراف تلزم المرأة على تحمل العنف الممارس من قبل أهلها كما لو كان جزءا من العلاقة الطبيعية التي تربطها بها ودليل انتماء لها، خاصة الزوجة التي تفرض عليها قوانين المجتمع تحمل الممارسات السيئة من قبل زوجها، وتجبر على تحمل عنفه كجزء من ضريبة الارتباط، فالمجتمع يرى في سلوك الزوج العنيف صفة من صفات الرجال التي لا يوجد غير الزوجة لتتحملها بصمت، بل إن غالبية النساء المعنفات من قبل أزواجهن حينما تتجهن لبيت الأهل شاكيات اعتداء الزوج تلقين اللوم والعتاب من قبل أفراد أسرهن. ونادرا ما تتصرف أسرة إحدى الزوجات المعنفات بحزم مع صهرها، لذلك فلا غريب أن يستمر عدد كبير من الأزواج في تعنيف زوجاتهم، رغم أن القوانين تسير في الاتجاه الذي يكفل للنساء ظروفا أكثر أمنا لهن ولأطفالهن ويحميهن من الأيادي المتطاولة عليهن وعلى كرامتهن ولو كانت يد أقرب المقربين. و تذكر في هذا الخصوص أن أصواتا كثيرة ارتفعت مؤخرا تنادي بتجريم العنف الأسري وعلى رأسها وزارة الأسرة وقضايا المرأة على لسان الوزيرة السيدة نوارة جعفر التي دعت بمناسبة إحياء اليوم العالمي للمرأة لهذه السنة 2008 إلى سن قانون يعاقب مرتكبي العنف الأسري ضد النساء. مساعدة المرأة المعنفة مسؤولية الجميع يغفل أغلب الرجال عن حقيقة هامة وهي أن المرأة تعد المسؤولة الأولى عن تشكيل شخصية الطفل الذي يكبر ليصير فردا من أفراد المجتمع، وأن الحالة النفسية التي تكون عليها هذه الأم تؤثر مباشرة على طريقة تربيتها لطفلها وبالتالي على شخصية هذا المواطن الصغير، وهنا تقول الأستاذة معروف مريم محامية إن دور المرأة في المجتمع مهم جدا، إنها المسؤولة الأولى على إنشاء مجتمع سليم واع ومنضبط. وأكدت المتحدثة خلال ذات الحصة الإذاعية أن العنف ضد المرأة جريمة يعاقب عليها القانون كسائر الجرائم، وعلى المرأة أن تعرف حقوقها، وتقدم شكوى ضد من يعتدي عليها لضمان حقها وحق أطفالها، كما ركزت المحامية الأستاذة معروف على ضرورة سن قوانين تجبر الطبيب الذي يقوم بالكشف على النساء المعنفات أن يقدم تقريرا لمصالح الأمن وان يمنح له الحق في رفع بلاغ إلى مصالح الأمن بالحادث فهذا الإجراء سيؤدي إلى ردع عدد كبير من الأزواج الذين يستعملون العنف ضد نسائهم وطالبت بحماية من يقدم شكوى باسم امرأة معنفة سواء أكان الطبيب أو مسؤولها المباشر في العمل أو غير ذلك.