لا اعرف صراحة لماذا تكالبت وتسابقت الكثير من وسائل الإعلام ،وانساقت وسمح لها ضميرها المهني لتكون أبواق مأجورة تنفخ فيها أفواه لأرواح مدحورة ،لازالت تعتقد أن الجزائر لقمة صائغة أو فريسة تائهة بين الوديان في زمن اللا أمان، ونحن نعيش في بلد تجاوز العديد من المحن بعد أن دافع عنه أبنائه بالنفس والنفيس وكتبوا تاريخا للأجيال بالأمس ،بثورتهم المفاجأة ضد المستعمر كما انهوا خلافاتهم الداخلية الدخيلة الطارئة التي مرت بها البلاد مؤخرا ،متصالحين ولم يكنوا أي ضغينة بعدما اعتقد الكثير أنها نار لن تنطفئ أبدا وكذب المنجمون . فأضحت الجزائر اليوم رائد من رواد الديمقراطية ، لكن المفارقة التي نسجلها أن هذا البلد وكما يعرف الجميع قد يكون الوحيد الذي أطلق حبال التلجيم الإعلامي ،ليس سهوا بل لحسن نية رغم كل ما لحقه من ضرر هذا الأخير أيام المحن ،ولنكون أكثر وضوحا فان ذلك كان في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي سنظل نذكره وان طال الزمن، ولا اعتقد هنا أن أحدا قد ينسى من أنقذه من الغرق في عرض البحار يوما فذاك بحر ويذكره الناجي فما بالك بحمام الدماء والفتنة القاتلة التي مر بها الشعب الجزائري يوما. ويبقى هو الوحيد الذي يعلم ويحس ويلات تلك العشرية السوداء وهو المخول للتحدث عنها، لأنه عاشها وحده وخرج منها يضمد جراحه بعد أن قدم الابن البار وان طال غيابه فاختاره شعبه ليقوده ،ولأننا لا ولن ننسى تلك العشرية فكذلك سيظل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رمزا نذكره ونقتدي به في التضحية وخدمة الوطن، لا ينكر احد أن الرجل دافع عن بلاده بالسلاح خلال الثورة ورافع عنها في العديد من المحافل الدولية وهو وزير، وغادرها تاركا المجال لغيره ممنونا غير ممتعض وعاد إليها لتنخر عظامه وهي في أمس الحاجة إلى عطائه . لقد شدني صدفة وأنا اكتب مقالي هذا ،خبر مفاده أن الرئيس ''هوغو شافيز'' رئيس دولة كبيرة بحجم فنزويلا يرغب في إجراء تعديل دستوري يسمح له بالترشح لعهدة ثالثة، وبقدر ما كان الخبر مهما إلا انه كان عاديا بالنسبة لي ولغيري ممن يؤمنون بأن الشعوب هي من تحدث التغيير وليس الأفراد، كما يعتقد البعض وبمجرد سماعي الخبر طرحت سؤالا وحيدا وهو ألا يستحق الرئيس ''هوغو شافيز'' أن يترشح لعهدة ثالثة ورابعة؟ وهو من أنقذ شعبه من الأفعى الأمريكية، لذلك لا اعتقد أن الشعب الفنزويلي سيختار غير الرئيس ''هوغو شافيز'' ليحكمه، وهو الذي خرج منتفضا ذات يوم عندما انقلبت على الرئيس مجموعة من الضباط أبعدته لساعات عن الحكم ولم يدخل شعبه إلا بعودة الرئيس إلى القصر الجمهوري، فيما تبين لاحقا أن تلك المجموعة الانقلابية تقف ورائها جهات أجنبية. وكما أشرت سابقا أن الشعوب هي التي تغير وتتغير وليس الأفراد، لننظر إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وأقول الولايات وليس الدويلات كحالنا وما تتوفر عليه الولايات من شخصيات سياسية وفكرية، تستطيع أن تتداول على الحكم مزدحمة بعهدة واحدة من سنتين فقط وليس أربعة، لكن ورغم ذلك ولو نراجع تاريخ التداول على الحكم في الولاياتالمتحدةالأمريكية نجده لم يخرج عن المألوف أو المعمول به عندنا، ولا نذهب بعيدا وحتى لا نجهد قصيري النظر ونذكر من لا يتذكر، أن في تاريخ التداول على كرسي الرئاسة عندهم هناك من رؤساء الولاياتالمتحدةالأمريكية ممن حكم لأكثر من عهدة، نذكر من بينهم جورج واشنطن وتوماس جفرسون وتيودور روزفلت ابن عم الجد الخامس للرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، الذي حكم الولاياتالمتحدة لثلاثة عهد كاملة رغم شلله وهو ما يعني توريث الحكم كما يقال عندنا اليوم، أو التسلط على السلطة، واغتيل جون كندي في ظروف غامضة كذلك كما يحدث عندنا أيضا واعتقد أننا ورثنا ذلك عن أبناء العم سام طبعا، الذين توارثوا الحكم إلى اليوم ولم تخرج المقاليد عن الحاشية كحال جورج بوش الأب وابنه، وحال هيلاري كلينتون التي استلمت حقيبة الخارجية الثقيلة مؤخرا تلك الحقيبة التي لا يكون بها سوى أوراق من أرشيف سياسة زوجها لمواصلة المسيرة على خطاه بعد آن حظي هو الآخر بعهدتين متتاليتين ، وهو ما يؤكد على أن التداول على الحكم في الولاياتالمتحدةالأمريكية متوارث للابن وابن العم والزوجة والحاشية وللديمقراطية عندهم قراءات أخرى، ولنخرج من أمريكا ونسأل عن حال التداول على الحكم عند أبناء العجوز الأوربية ونعرج سريعا على احد اكبر العواصم العالمية باريس والعمدة الذي حكمها لمدة ثمانية عشر سنة، واقصد به الرئيس جاك شيراك فبعد الفترة الطويلة التي تربع فيها حاكما على باريس، زاد وحكم فرنسا ولم يخرج من قصر الاليزيه إلا بعهدتين متتاليتين وقبله بالأمس القريب فرنسوا ميتران بما يفوق ثلاثة عهد وأقول بالأمس حيث كان ذلك من 1981ا لى 1995 وان كانت هذه الأمثلة الحية الواضحة دليلا على أننا لم نخرج عن المألوف إذا ما اختير الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة ثالثة، فذاك اختيار الشعب وهو الذي يستطيع أن يغير أو يتغير والتغيير يبدأ بالنفس والانقلاب على الروح لنغير أمراض فينا ليست من سمات البشر ونشمر عن سواعدنا ونلحم صفوفنا ونتفانى ونتقن أعمالنا لنرقى وترقى بلداننا، لذلك أقول العيب فينا وليس في حكامنا، وختام القول الحصان يمتطيه الفارس المغوار والأسفار ليست على ظهر الحمار حقا صنعاء بعيدة لكن لابد منها وان طال السفر كما لابد من عهدة ثالثة للرئيس بوتفليقة .