رغم تشكيك كثر حول استمرارية نجاح الدراما التركية المدبلجة إلى العربية في استقطاب المشاهدين، مصورين إياها كفقاعة صابون سرعان ما ستضمحل، إلا أن الواقع يشير عكس ذلك ، ولعل مسلسل «لحظة وداع» الذي يعرض على شاشة «أم بي سي ''دليل قاطع على ذلك. الحب والشوق ..الغيرة والانتقام والندم المسلسل هو شبكة من العلاقات الإنسانية الدرامية المتقاطعة في إطار توليفي احترافي عبر حبكة محكمة تختلط فيها حكايا الحب والشوق والغيرة والانتقام والندم، وتعنى بمعالجة قضايا اجتماعية حساسة وملامسة مشاكل حياتية واقعية بطريقة اقتحامية جريئة، كالمرض وما يتخلله من صراع بين الحياة والموت وبين الألم والأمل، والطلاق وتأثيره في راهن الأطفال ومستقبلهم، والخيانة وتضارب الرغبات العاطفية، الروحية منها والحسية، مع مؤثرات الواقع وحقائقه على الأرض. واللافت هو عدم تمحور كل خيوط اللعبة الدرامية ودورانها حول شخصيتين رئيستين كما هي العادة، بل إن البطولة جماعية موزعة بين جل شخصيات العمل الرئيسة وفق تناغم بين مختلف أبعاد العمل، فلا يطغى أحدها على الآخر. وهكذا، فإن كل مقومات العمل ومعالجاته تسير في خط متواز بما يقدم المسلسل بصيغة تكاملية تصاعدية غير مؤطرة في قوقعة واحدة بمقدار ما تقوم على التفاعل بين جميع الشخوص والأحداث والموضوعات بتعددها وتشابكها وتأثرها وتأثيرها في ما بينها. طغيان الطابع الجماعي التعددي لبطولة العمل ولا يطعن في ذلك كون ليلى التي تؤدي دورها الممثلة التركية أيس اسيليو هي صاحبة الدور المحوري في المسلسل من خلال قصتها التي تبدأ مع اكتشافها لمرضها العضال، وتركها إثر ذلك لزوجها وطفلتيها كي تجنبهم متاعب وآلام معايشة موتها البطيء، لكنها وبعد هجر بيتها وعائلتها حيث يتزوج رب الأسرة عليها تتماثل للشفاء، الأمر الذي يدعوها إلى محاولة اخذ حضانة ابنتيها وإعادة ترتيب حياتها وتطبيعها بعد زلزال مرضها الذي دمر حياتها الشخصية والمهنية وبعثر أسرتها وفككها. وهكذا تتفاعل هذه القضية الإنسانية المؤثرة في منحى تصاعدي شيق. وعلى رغم تمحور الحكاية أساساً حول ليلى ومعاناتها مع المرض أولاً، ثم مع افتراقها عن زوجها وابنتيها، إلا أن الطابع الجماعي التعددي لبطولة العمل يبقى واضحاً حتى إن الطفلتين تلعبان دوراً لا يستهان به في السياق الدرامي العام الذي يعنى بطريقة مثيرة للإعجاب برصد ردود افعالهما وانطباعاتهما الطفولية البريئة حيال انفصال والديهما وتعاطيهما معه. وهو انفصال تدفعان ثمنه أكثر من غيرهما، لا سيما على صعيد استقرارهما النفسي والسلوكي. ولعل أكثر أوجه نجاح «لحظة وداع» يكمن في دحضه تلك التنظيرات الرائجة عربياً التي عزت نجاح الدراما التركية إلى الحرمان والقحط العاطفيين لدى المشاهد العربي، متهمة إياها بالمبالغة في قصص الحب اللاهب التي تقدمها لدغدغة مشاعر المتلقي المكبوت وإثارتها. فمع هذا المسلسل تبين مدى تهافت طروحات كهذه قاصرة ومتسرعة، خصوصاً انه يستند الى قصة غاية في الواقعية والإقناع، ويمكنها أن تحدث في أي عائلة عربية أو تركية أو كردية.