أصدر المترجم نافع معلا مترجما جديد بالعربية عن “دار المدى” يقتصر في معظم مراسلات المفكّر المجري جورج لوكاتش المنشورة على تلك التي كتبت بين عامي 1902 و1917، ذلك أنه قام بإيداعها في محفظة في “بنك هايدلبرغ” في ألمانيا عام 1917، وظلّت هناك قابعة من دون أن يعود إليها صاحبها. ولولا شكوك أحد موظفي البنك بعد رحيل لوكاتش (1885-1971) في أنها أوراق ذات أهمية، بعد أن صدر كتاب عن حياة لوكاتش وبدأ الحديث يكثر عنه في الصحافة الألمانية، لما اكتشف العالم، بعد رحيل صاحب “تحطيم العقل”، ألفا وخمسمائة رسالة مرسلة إليه وخمسمائة رسالة كتبها هو ربما من دون أن يرسلها، ولذلك ظلت بحوزته، أو ربما عادت إليه بشكل أو بآخر بعد وفاة المرسل إليهم غالباً (ظهرت لاحقاً رسائل بعد عام 1917 وحتى 1921) ، ومن أبرز المرسل إليهم في هذا الكتاب صديقه الفنان التشكيلي ليو بوبر، ورسائل متبادلة مع المسرحي الألماني باول إرنست، وكذلك رسائل وصلت إليه من مارسيل بندك، ولاسلو بانوتسي، وكذلك رسالة من حبيبته الأولى إرما سايدلر وعشرات الشخصيات من أوساطه الشخصية والثقافية. كما تكشف الرسائل عن مواقفه من الحرب والسياسة وتطوره الفكري المبكر،ولا شك في أن الرسائل لم تنشر كلها، بل جرى انتقاء ثلاثمائة وخمسين منها، ومن خلالها نقف على الخصوصيات التاريخية والثقافية والاتجاهات الفلسفية والنقدية والأدبية السائدة ما بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين، بحسب ما يورد المترجم في مقدمته، مضيفاً أنها أيضاً تجعلنا نتساءل إن كان لوكاتش مثقفاً مجرياً حقاً أم أنه ألماني بالنظر إلى مرجعياته وقراءاته، كما تظهر في المراسلات، وكما تُظهر ذلك أعماله ومؤلفاته، ورغم أن المراسلات لا تتضمن الكثير من الأفكار المضيئة حول الفلسفة أو الثقافة بالعموم، لكنها تكشف الكثير عن حياة لوكاتش وعن الوسط الذي كان يتحرّك فيه وعن صداقاته وعواطفه وطبيعته وتطوره الفكري والثقافي المبكر، لذلك كانت وثائق أساسية لكل من حاول الكتابة عن حياة وسيرة مؤلف “طريقي إلى ماركس”. و كتب لوكاتش قرابة الثلاثين مؤلفاً لم يترجم إلا بعضها إلى العربية، وهو ابن لعائلة برجوازية معروفة ، عاش طيلة مراهقته وشبابه على خلاف مع والديه، وكان يحار أي منهما يبغضه أكثر من الثاني. كان بعيداً عن عالم المال والدين والوسط الأرستقراطي، قريباً من حلقات الأدب والقراءة والكتابة، وهذا عنى بشكل ما أن صاحب “نظرية الرواية” كان أقرب إلى ماركس من والديه، وأصبح “فيلسوف المجر” في وقت لم يكن في المجر فلاسفةن و من أهم ما تكشفه الرسائل التي كُتب كثير منها في سنوات الحرب، أن هذا المثقف كان مقتنعاً بأن الحرب هي “السلام القائم على الوضع الراهن”، وكتب مقالة حول المفكرين الألمان والحرب لم ينشرها، لكي لا تعتبر مساومة أو مزايدة سياسية، وانصرف في تلك السنوات إلى الكتابة عن الفن والأدب.