لم يكن خلق آدم من تراب، ثم تناسل ذريته من بعده أمراً عادياً طبيعياً.. إنما هو أمر هام، وخلق عظيم، فيه تجلت مظاهر القدرة الربانية، والعظمة الإلهية التي تقول للشيء كن فيكون، إنه أمر منتهى الإبداع والأعجاز، فإن أهل الأرض جميعاً لو اجتمعوا على خلق ذبابة أو بعوضة لما استطاعوا، فكيف بإنسان له عقل وسمع وبصر وإدراك!! فتبارك الله أحسن الخالقين.. إنها القدرة الإلهية الفائقة التي تخلق من العدم وجوداً، وتجعل من الضعف القوة، ومن السكون حركة، ومن الجماد حياة وروحاً، فإذا التراب يتحرك، والطين يتكلم، وإذا الجماد بشر يسوى في أجمل صورة وفي أحسن تقويم.. (وَمِنْ آيَاْتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَاْبٍ ثُمَّ إِذَاْ أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُوْنَ) هذا هو آدم وهذه هي ذريته، بل هذه قصته وقصة الخليقة أجمعين، مخلوق يخلقه الله من طين، ويملَّكها الوجود، ويجعل هذا الإنسان خليفة عن الله، فإذا عصيان أوامر الله، أليس عجباً أن ينكر وجود الله من لم يكن بالأمس شيئاً مذكوراً؟؟! أليس عجيباً أن يكفر بنعم الله من وجوده برهان على وجود الله؟؟! وصدق الله حيث يقول : (قُتِلَ اْلإنْسَاْنُ مَاْ أَكْفَرَهُ مِنْ أي شَيء خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَرَهُ ثُمَّ الْسَّبِيْلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَاْ شَاْءَ أَنْشَرَهُ كَلا لَمَّا يَقْضِ مَاْ أَمَرَهُ). أليست قصة آدم عليه السلام قصة عجيبة؟..أليس وجود هذا الإنسان في هذا الكون يستدعي منه البصر والانتباه؟! أليس خلقه من تراب وطين يستلزم منه الإيمان واليقين (فَلْيَنْظُرْ الإنْسَاْنُ مِمَاْ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاْءٍ دَاْفِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُلْبِ و َالتَّرَاْئِبِ إنَّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَاْدِرٌ) بعض العبر والعظات المستخلصة من قصة آدم أبو البشر: أولاً: أن الله سبحانه وتعالى قد كرم هذا النوع البشري حين خلق آدم بيده، ونفخ فيه من روحه وأسجد له الملائكة، وجعله خليفة في الأرض، وهذا تكريم لآدم وذريته. ثانياً: أنا الله تعالى قادر على كل شيء فقد يجعل من الأمر الحقير أمراً مهماً وعظيماً، فقد خلق آدم من تراب، ثم جعله بشراً سوياً، وأفاض عليه من أسرار قدرته وبدائع حكمته ما أهلاً للإست خلاف في الأرض، كما علّمه أسماء كل الأشياء مما عجزت عنه الملائكة الأطهار. ثالثاً: إن على الإنسان أن يحذر مكائد الشيطان، فقد كان السبب في خروج أبينا آدم من الجنة، وعداوته قديمة منذ ظهور آدم (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌ فَاتَّخِذُوْهُ عَدُوَّاً) فلا ينبغي أن ننخدع بوساوس الشيطان اللعين فهو حرب علينا إلى يوم الدين. رابعاً: إن الإنسان مجبول على الخطأ، معرّض للنسيان؛ لأنه خلق من ضعف وما وقعت مخالفة آدم لأمر الله إلا بسبب ذلك الضعف البشري حيث استجاب لنداء اللعين إبليس ونسى أمر الله. خامساً: على الإنسان ألا يقنط من رحمة الله، ولا ييأس من عفوه فيما إذا وقع في خطيئة وحصلت من سقطة أو ألمّ بذنب، فقد علمنا الله كيف نتوب إليه، وكيف نتخلص من الذنوب والآثام (فَتَلَقَّىَ آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاْتٍ فَتَاْبَ عَلَيِهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَابُ الرَّحِيْمُ)..