أظن أنه من البداية لا يجب أن نقارن بين ما كان يسمى بربيع برايك سنة 1968 أو ما سميت بالحراكات السياسية لأوروبا الشرقية وما يقع في بلدان العالم العربي منذ بداية 2011، و أن حقيقة ما وقع في سنة 2011 وبنظرة موضوعية ليس بتطلع للديمقراطية بقدر ما هو توظيف لإحساس وتطلع لها ، ولأسباب تعيد تشكيل الخارطة السياسية داخل الدول ولكن هي أيضا إعادة تشكيل الخارطة الجيوتيكية للمنطقة العربية. ولو نقوم بقراءة موضوعية للخارطة لوجدنا أن هذه الثورات مست ما يمكن تسميته بدول الجمهورية وفي العالم العربي هناك 14 جمهورية و 8 دولات ملكية وامارات . ونجد أنفسنا أمام دولتان منهارتان سوريا وليبيا و دولة في طريق الانهيار هي اليمن، ودول تعيش حالة من عدم اليقين السياسي مصر وتونس ، ودولة أخرى وهي البحرين التي تعيش حالة من الطائفية وذالك دون أن ننسى التداعيات التي تقع على دول الجوار كلبنان بالنسبة لسوريا، والأزمة الليبية أو ما يسمى بالربيع الليبي وتداعياته على المنطقة المغربية، من تدفق للأسلحة على المنطقة ولكن أيضا التفكك الأمني لدول الساحل ، فحقيقة نحن أمام جحيم عربي وليس بربيع عربي. ماهي الأبعاد الحقيقية لثورات الربيع العربي؟ كما قلت سابقا لا يمكن الحديث عن ربيع ولا حتى ثورة ، بل هناك حراك سياسي متوافق مع خرائط لعالم عربي جديد تحدث عنه في ديسمبر 2003 الرئيس الأمريكي جورج بوش عندما تحدث عن الإصلاح السياسي، ووسعت في المفهوم كندليزا رايس في جويلية 2006 عندما تحدثت عن الشرق الأوسط الجديد وأيضا عن مفهوم الفوضى الخلاقة التي هدامة بالنسبة للعالم العربي، وخلاقة بحكم أنها خلقت واقعا عربيا جديدا أضعف العديد من الدول العربية والمنظومة العربية تجاه إسرائيل ، وأظن أن الحقيقة حاليا هي إرجاع منطقة الدول العربية إلى مرحلة إعادة البناء وهو بمعنى آخر سيدخل في شكل شك مرتبط بالهوية السياسية للنظام و الهوية السياسية للدول ولكن هو أيضا سيرتبط بمشكلة أخرى وهي أيضا الاحتقانات التي ستكون موجودة بين الدول العربية. كالاحتقانات الموجودة بين سوريا و العرب، والاحتقانات التي وجدت بين لبنان وبعض الأطراف الأخرى، التطرف الإسلامي وفشل الإسلاميين بفرصة للحكم هذه الاحتقانات كلها ستجعل المنطقة تدخل في مرحلة من الشك لعدم اليقين للاستراتجيات مستقبلا. هل ما يحدث في تركيا الآن هو ظلال للربيع العربي؟ ما يقع في تركيا هو حالة داخلية مختلفة وهي أساسا مؤسسة لمحيطها السياسي، فلها تحالف مع إسرائيل منذ سنة 1996 وهي كدولة تريد أن تكون شريك استراتيجي بدول الشرق الأوسط ، تسويق الجانب التركي لحزب العدالة و التنمية وهي نموذج لإسلام سياسي ولكن بين قوسين ، فالإخوان في مصر وتونس فشلوا والتسويق السياسي للنموذج التركي قد فشل، وعن يحدث ما يحدث في تركيا فهو مرتبط بأن الدولة تعرف طفرة اقتصادية، ونمو يقارب 08% ، وهي سادس اقتصاد أوروبي وتحتل المرتبة 14 من الاقتصاد العالمي. ولكن في نفس الوقت يغرف نظام سياسي مهيمن عليه من طرف حزب العدالة والتنمية على مستوى الرئاسة و البرلمان والحكومة وهذا ما يجعل أساسا بعض أحداث إحدى عشر سنة من الحكم بعض الأطراف تريد التغيير ولكن أيضا بعض الأطراف تريد نوعا من الانفتاح النظام السياسي على مختلف الأطياف الاجتماعية وحتى انه لم يكن الإقرار بأنه لم يكن هناك تشكيك كبير في الانتخابات. ما تفسيرك للعلاقات التركية الإسرائيلية، وما هي الغاية الأساسية منها ؟ أظن بأن تركيا دولة لها منطق في سياساتها الخارجية ودولة في المحيط الأطلسي، تصبوا لان تكون في الاتحاد الأوروبي، ودولة لها علاقات دبلوماسية منذ 1948 ولها تحالف مع إسرائيل منذ سنة 1996، وعلى الرغم من كل التوتر الذي وقع في سنتي "2009-2012" إلا أن تركيا وإسرائيل لم تتخليا عن تحالفهما، فالتعاون الاستراتيجي متواصل و الوضع الدبلوماسي والاقتصادي مستقرين، فمن ثم لا يجب أن ننسى بأن تركيا تريد أن تكون لها مكانة خاصة في المنطقة العربية برمتها و الرأسيوية، في منطقة المتوسط، حتى زيارة اردوغان للمغرب العربي كانت بمثابة زيارة تاجر يريد أن يسوق وزيارة من يريد أن يبني نوعا من التأثير الثقافي اللغوي في هذه المناطق، فمن ثم يجب أن نقارن بين ما هو أهم وما هو مهم. فالاهم هو الاحتفاظ بهذه العلاقة الإستراتيجية المتميزة التي تجمع تركيا مع الغرب و حتى مع إسرائيل، وما هو مهم هو الانتشار الثقافي والتجاري في كل المنطقة العربية. في أي دولة هناك انتهازيون ومستفيدون وضحايا، لو طبقنا هذه المقولة على ثورات البيع العربي. كيف تحسبها؟ إن بالحراك العربي نوع من المراحل الانتقالية داخل المرحلة الانتقالية الواحدة، فالإخوان المسلمون الذين فازوا بالانتخابات في تونس ومصر وفي المغرب لم يفوزوا في ليبيا ، وأظن حتى الأحزاب الإخوانية التي سادت في هذه البلدان، لم تصل إلى إنتاج استقرار ولا رفاء و لكنها أنتجت غضبا وردود أفعال رافضة لمشاريعها الهادفة لأخونة المجتمع، وأظن أن ما يقع في تونس من نقاشات حول الدستور تقر مدى تراجع المقترحات الدستورية حول مبادئ الديمقراطية وما وقع من مشاكل حول الدستور. و لكن في كل الحالات نجد هناك تفكك لتلك المنظومة المجتمعية وعدم الاستقرار السياسي وهذا ما يؤدي في النهاية إلى لإنتاج مستقبلات مستقبلية كلها ذات لون احمر في أحيان كثيرة تحمل مخاطر جمة. كيف تقرؤون التذبذب في ردود الأفعال الدولية تجاه أحداث الربيع العربي؟ بالسبة لردود الأفعال فهي لم تعرف تذبذبا بقدر ما كان هناك نوع من الرغبة لتسويق فكرة الديمقراطية وفكرة الحراك العربي العربي، وفكرة الاستقرار، و لكن رأينا أن الربيع العربي لم يكن إلا أكذوبة كشفها الواقع العربي ، ولأن ما نراه هو مزيد من الدم و الألم و الدموع وليس مزيدا من الديمقراطية في هذه البلدان.