عمى الألوان الطائفي البغيض لا حدود له في العالم العربي كما تعلمنا الأيام وتظهر لنا الأحداث بشكل مذهل ومتواصل. فالمجاميع الشعبية بالمنطقة لا تزال ترى الطغيان والتطرف بعين طائفية واحدة، فهي تارة ترى صدام حسين مجرما طاغية بعثيا دمويا متوحشا، ولكنها فجأة تنقلب لتراه شهيدا وبطلا ومدافعا عن «الجبهة الشرقية» لبوابة العالم العربي، هذا على الرغم من كونه مجرما بامتياز، غزا واحتل الكويت؛ البلد المجاور له، وأحرق شعبه بالكيماوي، وغير ذلك من الجرائم. وإذا تحدثت عن طائفية أخرى لتقنعهم أن بشار الأسد ينطبق عليه الوصف نفسه حرفيا، فهو أيضا مجرم طاغية بعثي دموي متوحش، واحتل لبنان وأحرق شعبه بالكيماوي، لا يرون هذا الوصف إلا في صدام حسين حصرا! والأمر نفسه يسري أيضا حين الحديث عن المنظمات الإرهابية، فهناك من لا يرى الإرهاب والتكفير إلا في أسماء ك«القاعدة» وجبهة النصرة ودولة العراق والشام والسلفية الجهادية، ويغفل عن ذكر حزب الله وفيلق بدر وفيلق القدس وكتائب المهدي، كلهم سواء، وجميعهم عناصر إرهابية وتكفيرية بامتياز، تعيش وتتلذذ على قتل من يخالفها وتخرجه من الملة والدين، وأي حديث مخالف لذلك ما هو إلا محاولة بائسة ومعيبة وقاصرة لتبديل الحقيقة الواضحة، وهي الرؤية المرتبكة وغير الصادقة، وهي عنصر أساسي في إطالة مدى نظام دموي مجرم، مثل نظام بشار الأسد، لأن هناك قوى مختلفة لها مصالح واضحة في إطالة مداه والإبقاء عليه، فدولة كإيران استثمرت وقتا طويلا جدا من الزمن «لتربية» هذا النظام وتطويعه بالكامل، وخصوصا خلال حقبة بشار الأسد، وهي التي صرفت عليه أرتالا هائلة من الأموال، وأخرجته تماما من الإطار «الشكلي البحت» لشعاراته القومجية والعروبية التي كان يعيش عليها، ويعدها القناع المناسب لتغطية عصبيته الطائفية البغيضة التي انكشفت بشكل فج تماما، وكذلك الأمر بالنسبة لميليشيا حزب الله، التي تعد وجود نظام كنظام بشار الأسد في سوريا بمثابة الرئة التي تتنفس من خلالها بشكل مريح وعملي، وروسيا تعد سوريا موضع قدم لخطط أكبر لها في الشرق الأوسط والبحر المتوسط، مستغلة ظروفا جيو - سياسية قد لا تتكرر مستقبلا، وكذلك في ظل وجود قيادة ضعيفة ومترددة في المعسكر الغربي.كذلك يشكل نظام بشار الأسد فرصة ذهبية لمخابرات روسيا والغرب لاستقطاب كل أشكال القوى الجهادية (المؤيدة والمعارضة لنظام الأسد) في موقع جغرافي واحد على الأرض السورية، وبذلك توفر عليها عناء البحث والتنقيب والتدقيق، وبذلك يتحقق لها هدف مهم، وهو الخلاص من كل الأطراف، وذلك بتزكية أدوات التناحر، وإمدادها بالمال والسلاح والمعلومات لإنجاز المطلوب لإسرائيل، مقابل كل ذلك تراقب «حليفها الخفي»، ذلك النظام الذي حمى حدودها مع الجولان، وأبقاها أكثر هدوءا من منتجعات هاواي والبحر الكاريبي بامتياز، إذ لم يسمح بأي نوع من الاضطراب، ناهيك طبعا عن مقاومة أو خلاف ذلك من الحراك العسكري، والعجيب أنه لم يصدر من أي مسؤول سياسي أو استخباراتي أو إعلامي في إسرائيل أي تصريح يطالب ويدعم إسقاط نظام بشار الأسد (هذا إذا ما افترضنا أنه نظام معادٍ لإسرائيل ودولة ممانعة ومقاومة) بل على العكس تماما صرح رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ورئيس جهاز المخابرات (الموساد) بأنهما يفضلان بقاء نظام الأسد، لأنهما يعتقدان أنه الأفضل لضمان أمن إسرائيل.راجعوا السطور وما بين السطور لتفهموا سر بقاء نظام الأسد والاستماتة لإطالة عمره في السلطة، وتمعنوا في من المستفيد من بقائه ومن خلفه.