يواجه سكان أروقة مالاكوف بساحة الشهداء التابعة إقليميا لبلدية القصبة ، خطر الموت يوميا ليس بسبب تهديد أمني أو انعدام الأمن وإنما تهددهم عماراتهم الآيلة للسقوط في أي لحظة ، لم يمنعها من ذلك إلا مشيئة الله... يعود تشييد حي محمد شرشام – حي مالاكوف سابقا- إلى بدايات العهد الاستعماري وبالضبط إلى سنة 1864 ، ولم تُرمم عماراته السبع مذاك ، غير أن المعاناة الحقيقية لسكان الحي بدأت مع زلزال 1989 ، حيث تعرضت العمارات إلى ضرر كبير ، وتصدعت جميع شققها وتآكلت جدرانها ، وما زاد الطين بلة أن هاته العمارات ذات الأربع طوابق أضحت بلا سلالم بعدما تم إهمال البنايات التي ربما يكون للمظهر الخارجي لها سببا في عدم التفاتة السلطات المحلية لها رغم النداءات المتكررة لسكانها.و في زيارة استطلاعية قادت "الاتحاد" إلى أحد الأحياء العتيقة بالعاصمة أو حي مالاكوف كما يعرفه العاصميون صدفة فلم يكن في نيتنا الإطلاع على أحوال الحي ، غير أن معاناة سكانه والوضعية التي وجدناه عليها دفعتنا إلى التقرب من سكانه الذين استبشروا بقدومنا..بعدما لم تجد آهاتهم أذانا صاغية لدى السلطات المحلية ولا حتى عند رئاسة الجمهورية التي ظلت تراسلها لسنوات وسنوات دونما انقطاع.... العمارة رقم 15 : الموت يحاصر السكان استقبلنا سكان البناية رقم 15 من حي مالاكوف بوجوه مبتسمة لكنها تخفي معاناة كبيرة و مريرة. و ما شد انتباهنا أكثر في تلك العمارة مدخلها الذي لا باب رئيسي له زيادة عن ذلك السلالم التي انهار جزء منها مما استدعت تدخل مصالح البلدية التي قامت بوضع أعمدة كحل مؤقت لشد الجدران وذلك سنة 1988 لتساعد السكان على الصعود و النزول .وبغية التأكد من حالة الشقق بدأنا بمنزل السيد خالدي نور الدين أحد سكان العمارة 15 والذي يقطن بالطابق الثاني أين وجدنا صعوبة كبيرة في الوصول إليه بسبب السلالم المهشمة. دخلنا البيت ، أرضية هشة، جدران متصدعة ،سقف مهترىء حقا هي معيشة ترثى لها النفوس، تحدثنا مع السيد نور الدين وأخته خالدي آمال اللذان أكدا أن معاناتهم تؤول إلى أكثر من أربعين سنة ، و زلزال 1989 زاد الأمر سوءا فقد كان من المفروض إخلاء العمارة مند ذلك الوقت كالتي بجانبها التي تم ترحيل سكانها وأعيد تجديدها من جديد مع أن كلتا العمارتين مصنفتان في الخانة الحمراء. وأضافت آمال أنهم تقدموا بأول شكوى لهم سنة 1990 إلى السلطات المعنية التي عاينت العمارة وأكدت أنها آيلة للسقوط لكن دون أن تحرك ساكنا وعاود السكان اطلاق صافرات الإنذار بالمراسلات والتوجه لكل المصالح والسلطات وهذا في سنة 1992، و 1995و1999 إلى كل من وزير السكن ، والي ولاية الجزائر ،الوالي المنتدب لدائرة باب الوادي ، رئيس المجلس الشعبي لبلدية القصبة و مدير الترقية و التسيير العقاري لولاية الجزائر و في سنة 2003 تقدم كل السكان بطلب النجدة و الاستغاثة إلى رئيس الجمهورية لكن لا حياة لمن تنادي. و أضافت آمال أن أشغال المترو التي تقام على بعد مترين من مبناهم زادت الطين بله وأثرت عليهم بشكل سلبي جراء ما تلحقه من ضرر فهي لا تتوقف على مدار الساعة مما يجعل أرضية البناية تهتز وتؤدي إلى حدوث تشققات بأرجاء أخرى من كل منزل فيها وعندما أعلمنا المسئولين بالوضعية المزرية التي تعاني منها البنايات أمروا بتوقيف الأشغال ، لكن الأمر لم يدم طويلا فبعد أسبوع استأنفوا الأشغال. معاناة عمي بوعلام ومأساة خالتي عيشة و بعدها صعدنا إلى الطابق الثالث استقبلنا في منزله بوعمامة بوعلام كهل في الخمسين من العمر يعاني من قصور كلوي وأخبرنا عن معاناته اليومية مع تلك التي تشبه من بعيد السلالم إذ أنه مضطر إلى صعودها ونزولها يوميا يقول عمي بوعلام " لازم عليا نحبط كل يوم الدروج باش نروح ندير تصفية للكلى وكي نرجع نفشل و شحال من مرة طحت في الدروج و تكسرت" وما شد انتباهنا في تلك الغرفة ثقب كبير في السقف تحته مباشرة سرير إحدى بناته فريدة التي قالت أن السقف قد انهار مباشرة بعد استيقاظها من الفراش فلولا ستر الله تعالى لانهار فوقها و أضافت زوجته السيدة الزهرة أنه مؤخرا شب حريق في البناية بسبب انفجار إحدى قنوات صرف المياه على العداد الكهربائي مما أدى على ضرورة تدخل رجال الإطفاء لإخماد النيران و كل من الحماية المدنية و مصالح البلدية وممثلة المصلحة التقنية الذين حرروا محاضر و أكدوا على خطر سقوط العمارة و حتمية إخلائها الفوري لكن دون أية متابعة صارمة.بعدها صعدت الاتحاد إلى بيت السيدة شلي عائشة أرملة هرمة تعيش في سطح العمارة والتي وجدناها تحاول سد أنبوب لصرف المياه انفجر داخل غرفة نومها بقطعة من البلاستيك الخشن كي لا تتسرب المياه إلى غرفة نومها ، وللإشارة منزل خالتي عيشة مكون من شبه غرفتين تقطنه عائلة مكونة من ثمانية أفراد. وقالت السيدة عائشة أنه منذ بضعة أيام سقط حفيدها من أعلى الدرج و أصيب بجروح خطيرة على مستوى الرأس وبجانبها بيت السيدة راشدي التي وجدناها تلصق "النيلون" في سقف غرفتها كي تتجنب الأحجار المتساقطة.وعندما سألنا سكان مالاكوف عن حالتهم في فصل الشتاء الذي هو على الأبواب ضحكوا وأخرجوا مختلف الأواني البلاستيكية التي حضروها لملئ مياه الأمطار المتسربة من الأسقف ، أما عن درجة الحرارة فقالوا أنها جد منخفضة بسبب الماء المتسربة عبر جدران البيوت والأسقف ، فرغم التدفئة و إغلاق النوافذ التي لا تغلق لأنها مكسورة يبقى الحال و كأنهم يسكنون في الشارع من شدة البرودة.هكذا هي الظروف المعيشية لسكان أروقة مالاكوف العتيقة منذ أكثر من نصف قرن من الزمن والتي تتلخص في هذه العبارات انعدام المأوى الواسع ، وأرواح في خطر واكتظاظ يشبه الغيتوهات لأحد عشر ساكن في عمارة متكونة من أربع طوابق ومعظم الشقق تحتوي عما يزيد عن ثمانية أنفار يعيشون معاناة يومية. وللحصول على تفاصيل أكثر غادرت الاتحاد الحي آخذة وجهة بلدية القصبة للتحري عن سبب تأخر ترحيل سكان أروقة مالاكوف رغم الظروف القاسية والخطيرة التي يتعرضون لها إلا أننا لم نتلق أية تصريحات فيما يتعلق بهذا الموضوع و كأن القضية صنفت ضمن الملفات السرية.وللإشارة فأن بنايات أروقة مالاكوف شيدت عام 1864 أي عمرها يزيد عن 140 سنة فكيف لها أن تصمد كل هذا الوقت وأن تمر بكل الكوارث الطبيعية التي أصابت الجزائر وأثقلت كاهلها على مر السنين كالفيضانات و الزلازل و إلى متى؟ إن أرواح سكان أروقة مالاكوف قائمة على شفى حفرة من موت وإن صمدت البناية منذ 1864 فهي لن تصمد لألفية أخرى بعدما أصبحت قابلة للانهيار. وعبر جريدة الاتحاد ناشد سكان أروقة مالاكوف السلطات المعنية بالتدخل لحمايتهم ونجدتهم في أقرب الآجال و اتخاذ الإجراءات اللازمة لترحيلهم ووضع حد لمعاناة أطفال و مرضى و شيوخ هذه العمارات. الاتحاد" تستفسر المسؤولين حياة العائلات مرهونة بإشارة صادقة وحسب التقارير المستخلصة من ملف البناية الآيلة للانهيار فان مصالح المراقبة التقنية حذرت من وقوع انهيار منفاجئ في أي لحظة، خاصة بعد تصنيفها سنة 2005 في الخانة الحمراء دون إعادة ترميمها أو ترحيل سكانها، و أوضحت مسؤولة القسم التقني لبلدية القصبة أن عمل الهيئة الآن أصبح يقتصر على طلبات المعاينة من طرف مصالح البلدية، كما أن الهيئة ليس لديها سلطة تنفيذية تخول لها المراقبة. بل أن تحركها حسب محدثتنا يكون بطلب من الجهات الرسمية.كما دقت ذات المتحدثة ناقوس الخطر حول وضعيات البناية، التي لا تزال مهددة بالانهيار و التي دخلت حسب تصريحها الخانة الحمراء، و أصبح تواجد السكان بها يشكل خطرا على حياتهم.ومن جانب آخر كشف أحد التقنيين أن القرارات التي أصدرتها الهيئة الوطنية للمراقبة التقنية مؤخرا، و الخاصة باحتمال سقوط البنايات المشغولة لم تعد فاعلة بل ضربت بها الجهات الوصية عرض الحائط. و الدليل أن أصحاب تلك العمارات لازالوا يقطنونها لحد الساعة حسب محدثنا الذي قال إن عملهم يتوقف عند إجراء التقارير فقط، و على الجهات الوصية اتخاذ الاجراءات اللازمة و انقاذ المواطنين من الموت، و أكد نفس التقني في تصريح ل"الاتحاد" أنه يجب على المنتخب الإداري التدخل لازالة هذه البنايات، إذ أن جدران بعض الأزقة لا تشكل خطر الموت على السكان فقط بل حتى على البيوت السليمة المتواجدة في الأزقة نفسها. و ذكر أن السكان قد اشتكوا من الخطر اليومي الذي يتعرض له المارة من ذات الشارع و خطر وقوع الجدران المتآكلة بمحاذاة بعض الأزقة التي هي في موقع يسمى بقلب العاصمة. فإلى متى يبقى هؤلاء السكان يصارعون هاجس الموت؟.