مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية..ملف الجزائر تحوّل إلى ورقة دعائية في فرنسا    تصفيات مونديال 2026: المنتخب الجزائري يفوز على الموزمبيق (5-1)    اللحمة الوطنية درع الجزائر    رئيس الجمهورية يستقبل الرئيس الأسبق لتنزانيا    الجزائر تندّد بعدم تزويد المينورسو بعهدة لحقوق الإنسان    إرادة سياسية ثابتة في الدفاع عن الذاكرة    جبهة أخرى ضمن معركة الأمن المائي    طوابع بريدية تحتفي بالزي النسوي للشرق الجزائري    أطماع المغرب في نهب ثروات الصحراء الغربية وراء إدامة احتلالها    خنشلة.. تفعيل نشاط جهاز اليقظة ومراقبة الجراد الصحراوي    تقرير رسمي يكشف: إصابة 16 ألف جندي إسرائيلي منذ 7 أكتوبر 2023    تعزيز التمسك بقيم التآزر والتكافل الاجتماعي    استشهاد 17 فلسطينيا خلال استهداف منازل وخيام لنازحين    قالمة..تكريم 6 فتيات حافظات للقرآن الكريم بعمرة للبقاع المقدسة    مفاجأة مدوية حول إصابة أنيس حاج موسى    ماجر: وفاة مناد صدمتني وعلاقتي به كانت قوية    تنسيق قطاعي لعصرنة الخدمات القنصلية    سلطنة عمان ضيف الشرف لمعرض الجزائر الدولي    اجتماع تنسيقي لدعم المؤسّسة الجامعية للنقل والخدمات    ترقية التعاون والشراكة مع بلجيكا في مجال الصحة    توتنهام يصّر على استقدام آيت نوري هذا الصيف    الروائع بكل تفاصيلها وسياقات إنتاجاتها    فرسان صغار للتنافس بمساجد قسنطينة    الدعاء في ليلة القدر    المعتمرون ملزمون بالإجراءات التنظيمية    رئيس الجمهورية يستقبل الرئيس الأسبق التنزاني    الفاف تدعو العاملين في مجال كرة القدم الى ضرورة المساهمة في القضاء على الشغب بالملاعب    حيداوي يستقبل مديرة مكتب برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز بالجزائر    برايك يتباحث مع السفير السعودي حول سبل تكثيف الجهود المشتركة خدمة للحجاج والمعتمرين الجزائريين    البرلمان العربي: جرائم الاحتلال الصهيوني "أكبر تهديد" للمواثيق المعنية بحقوق الإنسان    كرة القدم: رئيس الاتحادية يدعو جميع الفاعلين للانخراط في مشروع تطوير كرة القدم الوطنية    الكشافة الإسلامية الجزائرية توقع اتفاقية شراكة مع "الفاو" لتكوين القادة حول الثروة الغابية والمياه    إسبانيا: معرض للصور الفوتوغرافية حول نضال وثقافة الشعب الصحراوي    نحو مراجعة سقف تمويل إنشاء مؤسسات مصغرة مع وكالتي "ناسدا" و "أنجام"    طاقة: سوناطراك وسونلغاز تبحثان فرص التعاون والاستثمار في اديس أبابا    وزير الصحة يناقش توسيع آفاق التعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 50144 شهيدا و 113704 اصابة    مؤسسة بريد الجزائر تصدر طوابع بريدية تحتفي بالزي النسوي الاحتفالي للشرق الجزائري الكبير    شكلت نموذجا يحتذى به على المستويين الإقليمي والدولي    القرار يعكس التزام رئيس الجمهورية بوعوده تجاه الأسرة التربوية "    الجزائر تسجل "انخفاضا كبيرا" في عدد حالات الإصابة بهذا الداء    سنّ قانون تجريم الاستعمار سيرسل رسالة واضحة إلى فرنسا والعالم "    مرّاد: المشاريع هدفها خدمة المواطن    سِجال بين عدل ووالي وهران    جيلالي تشيد بعمل السلطات المركزية والمحلية    غزة تُباد..    أستروويد تبدي استعدادها لتجسيد مشروع بالجزائر    فوزوا يا رجال.. لنقترب من المونديال    قدرات تخزين الحبوب سترتفع    بحضور وزير المجاهدين وذوي الحقوق.. بلال بوطبة يتوج بالجائزة الوطنية الشهيد مصطفى بن بولعيد للفن التشكيلي    الوادي : تكريم 450 فائزا في مسابقة "براعم الذكر الحكيم"    بللو: السينما الجزائرية تعرف ديناميكية    هؤلاء حرّم الله أجسادهم على النار    الخضر يستعدّون لمواجهة الموزمبيق    تنظيم موسم حج 2025:المعتمرون مدعوون للالتزام بالإجراءات التنظيمية التي أقرتها السلطات السعودية    حج 2025: المعتمرون مدعوون للالتزام بالإجراءات التنظيمية التي أقرتها السلطات السعودية    الميل القلبي إلى المعصية… حكمه… وعلاجه    ماذا قال ابن باديس عن ليلة القدر؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من قصص الصحابة رضي الله عنهم عمرو بن العاص رضي الله عنه: { يا عمرو بايع فإن الإسلام يَجُبُّ ما كان قبله }.
نشر في الاتحاد يوم 25 - 01 - 2015

حديث شريف كان عمرو بن العاص أحد ثلاثة في قريش أتعبوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعنف مقاومتهم وإيذائهم لأصحابه، وراح الرسول يدعو عليهم ويبتهل لينزل العقاب بهم فنزل الوحي بقوله تعالى. " لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ مِنْ شيء أوْ يتوبَ عليهم أو يُعَذِّبهم فإنهم ظالمون " وكف الرسول الكريم عن الدعاء عليهم وترك أمرهم الى الله، واختار الله لعمرو بن العاص طريق التوبة والرحمة، فأسلم وأصبح مسلم مناضل وقائد فذ..
إسلامه:
أسلم عمرو بن العاص -رضي الله عنه- مع (خالد بن الوليد) قُبيل فتح مكة بقليل { شهر صفر سنة ثمان للهجرة } وبدأ إسلامه على يد النجاشي بالحبشة ففي زيارته الأخيرة للحبشة جاء ذكر النبي الجديد ودعوته وما يدعو له من مكارم الأخلاق، وسأل النجاشي عمرا كيف لم يؤمن به ويتبعه وهو رسول الله حقاً، فسأل عمرو النجاشي: { أهو كذلك ؟}.وأجابه النجاشي: { نعم، فأطِعْني يا عمرو واتبعه، فإنه والله لعلى الحق، ولَيَظْهرنّ على من خالفه }.وركب عمرو من فوره عائدا لبلاده ومتجها الى المدينة ليسلم لله رب العالمين، وفي طريق المدينة التقى { خالد بن الوليد } الساعي الى الرسول ليعلن إسلامه أيضا، وما كاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يراهم حتى تهلل وجهه و قال لأصحابه: { لقد رَمَتْكم مكة بفَلَذات أكبادها }.وتقدم خالد فبايع، وتقدم عمرو فقال: { إني أبايعك على أن يغفر الله لي ما تقدّم من ذنبي }.فأجابه الرسول الكريم: { يا عمرو بايع. فإن الإسلام يَجُبُّ ما كان قبله }. وبايع عمرو ووضع كل ما يملك في خدمة الدين الجديد. فضله كان فزعٌ بالمدينة فأتى عمرو بن العاص على سالم مولى أبي حذيفة وهو مُحْتَبٍ بحمائل سيفِه، فأخذ عمرو سيفه فاحتبى بحمائله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: { يا أيها الناس ! ألا كان مفزعكم إلى الله وإلى رسوله }.ثم قال: { ألا فعلتم كما فَعَل هذان الرجلان المؤمنان }. مُحَرِّر مِصْر كانت مصر من أهم ولايات الإمبراطورية الرومانية، وقد استغل الروم ثرواتها وحرموا منها السكان واستباحوا أهلها حتى أصبح الناس في ضيق لأن الروم فرضوا عليهم مذهبهم الديني قسرا، فلما بلغ المصريون أنباء الفتوحات الإسلامية وعدالة المسلمين وسماحتهم تطلعت أنظارهم إليهم لتخليصهم مما هم فيه،واتجه عمرو بن العاص سنة (18 هجري) على رأس جيش من أربعة آلاف مقاتل متجها الى مصر، وأمام شدة المقاومة طلب عمرو المدد من أمير المؤمنين فأرسل إليه أربعة آلاف جندي وتقدّم المسلمون وحاصروا حصن بابليون لمدة سبعة أشهر وتمكنوا من فتحه. ثم اتجهوا الى الإسكندرية فوجدوا مقاومة من حاميتها فامتد حصارها الى أربعة أشهر وأخيرا فتحت الإسكندرية وعقدت معاهدة الإسكندرية، ولقد كان -رضي الله عنه- حريصا على أن يباعد أهل مصر وأقباطها عن المعركة، ليظل القتال محصورا بينه وبين جنود الرومان، وتحدث عمرو مع زعماء الأنصار وكبار أساقفتهم فقال: { إن الله بعث محمدا بالحق وأمره به، وإنه -عليه الصلاة والسلام- قد أدّى رسالته، ومضى بعد أن تركنا على الواضِحَة، وكان مما أمرنا به الإعذار الى الناس، فنحن ندعوكم الى الإسلام، فمن أجابنا فهو مِنّا له مالنا وعليه ما علينا، ومن لم يُجِبنا الى الإسلام عرضنا عليه الجزْية وبذلنا له الحماية والمنعة، ولقد أخبرنا نبينا أن مصر ستفتح علينا، وأوصانا بأهلها خيرا فقال: ستُفْتَح عليكم بعدي مصر، فاسْتَوصوا بِقِبْطها خيرا، فإن لهم ذِمّة ورَحِما }.فإن أجبتمونا الى ما ندعوكم إليه كانت لكم ذِمّة الى ذِمّة }. وفرغ عمرو من كلماته فصاح بعض الأساقفة والرهبان قائلا: { إن الرّحِم التي أوصاكم بها نبيكم لهي قرابة بعيدة لا يصل مثلها إلا الأنبياء }. حُبِّ الإمارة مما امتاز به عمرو بن العاص حُبّه للإمارة، فشكله الخارجي ومشيته وحديثه كلها تدل على أنه خُلِق للإمارة، حتى أن في أحد الأيام رآه أمير المؤمنين عمر وهو مقبل فابتسم لِمَشْيَته وقال: { ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرا }.والحق أن عمرو لم يُبْخِس نفسه هذا الحق، فمع كل الأحداث الخطرة التي اجتاحت المسلمين، كان عمرو يتعامل معها بأسلوب أمير معه من الذكاء والدهاء ما يجعله واثقا بنفسه مُعْتَزا بتفوقه، وقد أولاه عمر بن الخطاب ولاية فلسطين والأردن، ثم على مصر طوال حياة أمير المؤمنين، وعندما علم ابن الخطاب أن عمراً قد اجتاز حد الرخاء في معيشته أرسل إليه (محمد بن مَسْلمة) وأمره أن يقاسم عمراً جميع أمواله وأشيائه، فيبقى له نصفها ويحمل معه الى بيت مال المسلمين بالمدينة النصف الآخر، ولو علم أمير المؤمنين عمر أن حب عمرو للإمارة سيحمله على التفريط في مسئولياته لما أبقاه في الولاية لحظة واحدة. ذكاؤه ودهاؤه كان عمرو بن العاص حاد الذكاء، قوي البديهة عميق الرؤية، حتى أن أمير المؤمنين عمر كان إذا رأى إنسانا عاجز الحيلة، صكّ كفيه عَجبا وقال: { سبحان الله! إن خالق هذا وخالق عمرو بن العاص إله واحد }.كما كان عمرو بن العاص جريئا مِقْداما، يمزج ذكائه بدهائه فيُظَنّ أنه جبان، بيد أنها سعة حيلة يُخرج بها نفسه من المآزق المهلكة، وكان عمر بن الخطاب يعرف ذلك فيه، وعندما أرسله الى الشام قيل له: { إن على رأس جيوش الروم بالشام أرطبونا }.أي قائدا وأميرا من الشجعان الدُّهاة، فكان جواب أمير المؤمنين: { لقد رمينا أرْطَبون الروم بأرْطَبون العرب، فلننظر عمَّ تنفَرج الأمور }.ولقد انفرجت عن غلبة ساحقة لأرطبون العرب وداهيتهم عمرو بن العاص على أرطبون الروم الذي ترك جيشه للهزيمة وولى هاربا الى مصر.ولعل من أشهر المواقف التي يظهر فيها دهاء عمرو موقف التحكيم بين عليا ومعاوية، وموقفه من قائد حصن بابليون. التحكيم في الخلاف بين علي ومعاوية نصل الى أكثر المواقف شهرة في حياة عمرو، وهو موقفه في التحكيم وكانت فكرة أبو موسى الأشعري (المُمَثِّل لعلي) الأساسية هي أن الخلاف بينهما وصل الى نقطة حرجة، راح ضحيتها الآلاف، فلابد من نقطة بدء جديدة، تعطي المسلمين فرصة للاختيار بعد تنحية أطراف النزاع، وأبوموسى الأشعري على الرغم من فقهه وعلمه فهو يعامل الناس بصدقه ويكره الخداع والمناورة التي لجأ اليها الطرف الآخر ممثلا في عمرو بن العاص (مُمَثِّل معاوية) الذي لجأ الى الذكاء والحيلة الواسعة في أخذ الراية لمعاوية. ففي اليوم التالي لاتفاقهم على تنحية علي ومعاوية وجعل الأمر شورى بين المسلمين.دعا أبوموسى عمرا ليتحدث فأبى عمرو قائلا: { ما كنت لأتقدمك وأنت أكثر مني فضلا وأقدم هجرة وأكبر سنا }.وتقدم أبو موسى وقال: { يا أيها الناس، انا قد نظرنا فيما يجمع الله به ألفة هذه الأمة ويصلح أمرها، فلم نر شيئا أبلغ من خلع الرجلين - علي ومعاوية - وجعلها شورى يختار الناس لأنفسهم من يرونه لها، واني قد خلعت عليا ومعاوية، فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من أحببتم }.وجاء دور عمرو بن العاص ليعلن خلع معاوية كما تم الاتفاق عليه بالأمس، فصعد المنبر وقال: { أيها الناس، ان أباموسى قد قال ما سمعتم، وخلع صاحبه، ألا واني قد خلعت صاحبه كما خلعه، وأثْبِت صاحبي معاوية، فانه ولي أمير المؤمنين عثمان والمطالب بدمه، وأحق الناس بمقامه !!}. ولم يحتمل أبوموسى المفاجأة، فلفح عمرا بكلمات غاضبة ثائرة.فقد أنفذ أبو موسى الإتفاق وقَعَد عمرو عن إنفاذه.حصن نابليون أثناء حربه مع الرومان في مصر، { وفي بعض الروايات التاريخية أنها وقعت في اليرموك }، دعاه أرطبون الروم وقائدهم لمحادثته، وكان قد أعطى أوامره لرجاله بإلقاء صخرة فوق عمرو إثر إنصرافه من الحصن، ودخل عمرو على القائد لا يريبه منه شيء، وانفض اللقاء، وبينما هو في طريق الخروج لمح فوق أسوار الحصن حركة مريبة حركّت فيه الحرص والحذر، وعلى الفور تصرف بشكل باهر، لقد عاد الى قائد الحصن في خطوات آمنة مطمئنة ولم يثر شكوكه أمر، وقال للقائد: { لقد بادرني خاطر أردت أن أطلعك عليه، إن معي حيث يقيم أصحابي جماعة من أصحاب الرسول السابقين الى الإسلام، لا يقطع أمير المؤمنين أمرا دون مشورتهم، ولا يرسل جيشا من جيوش الإسلام إلا جعلهم على رأس مقاتلته وجنوده، وقد رأيت أن آتيك بهم حتى يسمعوا منك مثل الذي سمعت، ويكونوا من الأمر على مثل ما أنا عليه من بيّنة }.وأدرك قائد الروم أن عمرا بسذاجة قد منحه فرصة العمر، فليوافقه الآن الرأي، وإذا عاد ومعه هذا العدد من زعماء المسلمين وخيرة رجالهم، أجهز عليهم جميعا، بدلا من أن يجهز على عمرو وحده، وألغيت خطة اغتيال عمرو، وودّع عمرو بحرارة، وابتسم داهية العرب وهو يغادر الحصن، وفي الصباح عاد عمرو على رأس جيشه الى الحصن ممتطيا صهوة فرسه.
وفاته وفي السنة الثالثة والأربعين من الهجرة، أدركت الوفاة عمرو بن العاص بمصر حيث كان واليا عليها، وراح يستعرض في لحظات الرحيل حياته فقال: { كنت أول أمري كافرا، وكنت أشد الناس على رسول الله، فلو مِتّ يومئذ لوجَبَت لي النار، ثم بايعت رسول الله، فما كان في الناس أحد أحبّ إلي منه، ولا أجلّ في عيني منه، ولو سُئِلْتُ أن أنْعَتَه ما استطعت، لأني لم أكن أقدر أن أملأ عيني منه إجلالا له، فلو مِتّ يومئذ لرجوت أن أكون من أهل الجنة، ثم بُليت بعد ذلك بالسلطان، وبأشياء لا أدري أهي لي أم عليّ }. ثم رفع بصره الى السماء في ضَراعة مناجيا ربه الرحيم قائلا: { اللهم لا بريء فأعْتذِر، ولا عزيز فأنْتَصر، وإلا تُدْركني رحمتك أكن من الهالكين }.وظل في ضراعاته حتى صعدت الى الله روحه وكانت آخر كلماته: لا إله إلا الله.وتحت ثَرَى مصر ثَوَى رُفاتُه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.