مرّ على الجزائر عهد كان فيه رؤية الأولاد في الشارع في وقت الدراسة مخالفة يبلّغ عنها حارس الحي أو ''الشانبيط''، كما كان يسمى، مصلحة الحماية الاجتماعية التي تستدعي الأولياء للتحقيق معهم حول سبب تخلّف ابنهم عن المدرسة؛ لأن التعليم كان فعلا إجباريا ومجانيا كما ينص عليه الدستور. أما اليوم فلم يعد التعليم مجانيا ولا حتى إجباريا، والدليل أن لا أحد يكترث لآلاف الأطفال الذين لم يكملوا التعليم الابتدائي، وهم يهومون في الشوارع أو يبيعون في الأسواق أو حتى من يعمل منهم في المصانع. الفرق بين ذاك الزمان واليوم هو أن الأولياء لم يكن لهم أي مبرّر لترك الأولاد بلا دراسة، لأنهم في الحقيقة، لا يدفعون شيئا مقابلها، وكل ما عليهم فعله هو إيقاظهم في الصباح ومتابعتهم خلال الموسم الدراسي لئلا يتغيّبوا. وحتى التكاليف البسيطة لم تكن تمنع أحدا من إرسال أولاده إلى المدرسة، لأن أسعار الكتب فعلا رمزية، وفي بعض الأحيان مجانية، تضاف لها بعض الكراريس والأقلام. كما أنه لا يوجد أي وجه للمقارنة بين المحفظة التي لا يتعدى وزنها بضعة كيلوغرامات كنا نحملها دون عناء، وبين الحقيبة الضخمة التي يجرّها تلاميذ اليوم لدرجة أن أغلب الأولياء في المدن الكبرى ينقلون أولادهم بالسيارة حتى لا يصلوا المدرسة مرهقين. أما التلاميذ في الجزائر العميقة فيضطرون لقطع مسافات طويلة مشيا على الأقدام، لأن أولياءهم فقراء، والنقل غير متوفر، وحافلات النقل المدرسي لم تصلهم. 15 سنة من الإصلاح أو بالأحرى الترقيع في المنظومة التربية حوّلت التلاميذ إلى فئران تجارب، وكلما فشلت خطة، ضحينا بجيل كامل من الأطفال وبدأنا خطة جديدة بفئران جدد، والنتيجة سلسلة إخفاقات لا أحد مستعد لتحمل مسؤوليتها. وحتى الوزير مسيّر مخبر التّجارب يتحدث اليوم عن وضع حد للتسيّب، وكأنه التحق بالمنصب حديثا وهو الذي يحمل لقب عميد الوزراء. المحظوظون في هذا البلد الذي انتشرت فيه الحفرة هرّبوا أولادهم إلى الخارج، وحتى موسطو الدخل ضحّوا ببعض الرفاهية لضمان تعليم مقبول لأبنائهم في المدارس الخاصة. أما عامة الشعب، فسيبقى موضوع التجارب يلاحقهم حتى تموت كل الفئران أو ينفجر المخبر بما فيه على صاحبه. [email protected]