تزامن الإعلان عن تعيين جانيت بوغراب، كاتبة دولة بالحكومة الفرنسية، مع إنجاز نصب تذكاري بالقرب من وادي الفايدي، الذي عاش مجراه مجزرة فظيعة في ماي 1958، ذهب ضحيتها 45 قرويا إلى جانب ستة عناصر من جيش التحرير، قتلا بالرصاص وتنكيلا بالسواطير على يد الجيش الفرنسي بتدبير ومشاركة المدعو محمد بوغراب، جد الوزيرة حفيدته الفرنسية جانيت بوغراب التي عينها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يوم 14 نوفمبر الجاري ضمن حكومته في منصب كاتبة الدولة للشباب والرياضة. اعتبر مجاهدو المنطقة، وعائلات ضحايا المجزرة، أن النصب التذكاري المنجز بالمنطقة أنسب رد على مبادرة ساركوزي، والتي لا تخرج حسبهم عن دائرة مسعاه لتمجيد جرائم الاستعمار. وقد أعاد هؤلاء وبمرارة، فصول المغامرة الدموية التي واصلها الحركي لخضر بوغراب بن محمد ووالد جانيت، ردا على موت والده على يد جيش التحرير، بعد اكتشاف خيانته، متوعدا بقتل 40 من أفراد جيش التحرير الذين اتهمهم بإعدامه، ولم يتردد في التوجه مباشرة بعد الواقعة، إلى مزرعة تسمى ''فيرمة كوتري'' أين تم تجنيده وضمه لفصيل من الحركى عاثوا في السكان والقرويين تقتيلا وتعذيبا، بمنزل يدعى ''حوش البوسعادي'' لا يزال قائما وسط مدينة البروافية. لقبه الفرنسيون ب''كلب الكابيتان'' لم تتوقف جرائم بوغراب عند اختطاف وقتل 20 ممن تم اختفاؤهم وتعذيبهم لآسباب بسيطة، كضبط حملهم لكميات من الأغذية والمؤن لأسرهم، ليتهمهم بأنها موجهة لتموين عناصر جيش التحرير، مستهدفا في الأساس كل ما تبقى من مجزرة وادي الفايدي، من سكان قريته الأصل الحشالفه، وقرية أولاد عزيز، ومن بين الذين تم اختطافهم وقتلهم، بعد تمريرهم على مكتب ''لاصاص'' بالبروافية الشهداء عبادي الجيلالي وعبادي ناجي بن السلامي وبوعريف بن عمر وبوعريف أحمد ومشنقل قدور وغيرهم ممن لم يتم التعرف عليهم بسبب فصل رؤوسهم عن جثثهم، وأغلبهم تم اختطافهم أثناء التوجه إلى سوق الأربعاء بالبروافية، حسب شهادة ثلة من مجاهدي المنطقة الذين عايشوا بدقة تلك المجازر، من بينهم أعضاء فرع منظمة المجاهدين عمانة لخضر وبن ثاية عبد القادر،77 سنة، وفضيل محمد الذي عثر على شقيقه داخل قمامة بعد يومين من التعذيب على يد الحركي لخضر بوغراب وزبانية ''الدوزيام بيرو''. ونظرا لدمويته وبثه الرعب والمطاردات لكل حي يعتقد بأنه بشر يتحرك عبر الشارع المحاذي لمكتب لاصاص، ومرافقته اللصيقة للكابيتان ''ديستانفيل'' مسؤول لاصاص آنذاك، أطلق عليه الفرنسيون لقب ''كلب الكابيتان'' المدعو ديستانفيل.. كونه سائقه وحارسه الشخصي، حيث كان اليد التي تختطف نهارا لاستقصاء تحركات عناصر جيش التحرير ومسبلي الثورة، لتغتالهم ليلا، بمجرد الحصول على أدنى الشكوك حولهم، حسب شهادات العديد من السكان الذين تكاد لا تجد بينهم من لا يتذكر ركلة أو صفعة أو مطاردة من طرف الحركي لخضربوقراب. ''كان يترصد المتسوقين الذين يأتون لإيداع محاصيلهم الفلاحية ومواشيهم بمستودع تملكه عائلة فراح، ليهجم عليهم قبل نزولهم من على ظهور الحمير والبغال، ويلقي بهم إلى سيارته العسكرية ومن ثم إلى مكتب لاصاص، أين يختفون دون عودة'' يقول الشقيقان فراح محمد وقويدر اللذان ساهما في محاولة القضاء عليه بعد الحكم عليه بالإعدام من طرف قيادة جيش التحرير بالمنطقة آنذاك. كما اشتهر بخطف واختفاء العديد من ضحاياه من قرية أولاد هديم المنتمية حاليا إلى بلدية سغوان، كما يشهد ابن الشهيد بن ثاية لخضر، الذي قتل أبوه رفقة ثلاثة آخرين دهسا ودفنا في الأوحال بقرية الروايسية، تحت دبابات وحدة للجيش الفرنسي في أفريل من سنة .1957 ساهم بشراسة في إفقار السكان وسلبهم ممتلكاتهم لتدعيم ضحايا سد فريجيس بفرنسا ليلة الثاني من ديسمبر1959 شهدت مدينة فريجيس الفرنسية والقرى الواقعة حولها إلى كارثة انهيار سد مالباسيت، جارفا بأزيد من 50 مليون متر مكعب من المياه، كل التجمعات السكانية التي صادفته، ومتسببا في هلاك وفقدان 423 ضحية،50 مزرعة، و1000 رأس من الأغنام، الشيء الذي أوقع دوغول في مأزق سياسي، ولم يجد غير مستعمرته ''الجزائر الفرنسية'' لبعث حملة تضامن مع ضحايا الكارثة. يتذكر قرويو منطقة البروافية كيف تفانى الحركي لخضر بوغراب في نهب ممتلكاتهم وإخضاع كل من تقع عليه يداه إلى تجريده من أي فلس يحمله، ليضع المنهوبات في صناديق تحمل اسم تبرعات الجيش الفرنسي للتضامن مع منكوبي فريجيس، لأن الشعب الجزائري، حسب هذا المنطق الاستعماري الفظيع، ليس من حقه سوى الموت جوعا إذا قدرت له النجاة من القتل بالرصاص على يد الجيش الفرنسي الذي كان ممثلا أبشع تمثيل بالبروافية، في شخص الحركي لخضر بوقراب، وأسوأ حتى من مجرم الدوزيام بيرو آنذاك الفرنسي ''فلوري'' الدركي الذي مازالت تحتفظ البروافية في أبسط زواياها بصور من إرهابه وإعداماته الوحشية. وفي مواجهة مظاهرات 11 ديسمبر1960 تفنن الحركي لخضر بوغراب في محاولة إجهاضها رفقة مجرمي لاصاص والدوزيام بيرو، ولعل الرصاصة التي مازالت تحملها المجاهدة عطالله خيرة المولودة خميس،90 سنة، في ذراعها الأيمن، جراء تعرضها لطلقة نار من طرف حركي رفيق لخضر بوغراب أثناء تقدمها لصف من المتظاهرات حاملة العلم الوطني، تبقى شهادة حية على الاستعداد الدموي الذي كان مخططا للإيقاع بالمئات من المتظاهرين لولا تدخل محافظ شرطة آنذاك وصرف موجة المظاهرات عن التوجه نحو مركز لاصاص، حيث كان لخضر بوغراب ورفقاؤه في الخيانة على أهبة الاستعداد لإمطار المتظاهرين برصاص أسلحتهم الرشاشة وقنابلهم اليدوية. وللتاريخ يشهد مجاهدون بأن زوجة لخضر بوغراب، عانت الويلات على يده، لتيقنه من عدم مساندتها خيانته، خاصة لرفضها عرضه الفرار معه إلى فرنسا، فما كان رده سوى مهاجمة عائلتها ''أصهاره'' وترهيبهم وأنهاها بإلقاء قنبلة يدوية على منزلهم القروي بعد إعلان الاستقلال، حيث تزوجت ثانية، وعاشت بالبليدة إلى أن وافتها المنية سنة 1997، وحضر جنازتها العديد من مجاهدي قريتي الحلاشفة وأولاد عزيز اعترافا لها بموقفها الجريء ضد خيانة زوجها السابق المجرم الحركي لخضر بوغراب. حاول استدراج أحد المجاهدين إلى فرنسا سنة 1973 للانتقام منه التقى أحد المسافرين إلى فرنسا صدفة بلخضر بوغراب في إحدى المدن جنوبفرنسا سنة 1973، أي سنة ميلاد جانيت ابنته، الوزيرة في حكومة ساركوزي حاليا، وتعرف عليه مباشرة، وهو دليل آخر على أنه كان يحفظ وجوه سكان البروافية عن ظهر قلب، ولم يتوان في دعوته للتوسط له في عملية استدراج المجاهد المعروف نقيب جيش التحرير بالبروافية، فارس بن مهل، إلى التراب الفرنسي مقابل أي شيء يطلبه، مما أدخل الرهبة في قلب ذلك المسافر ليعود بهذه الحكاية الغريبة إلى مسمع مقربيه بالبروافية، تبين منها أن الحركي لخضر بوغراب حاول من خلالها تنفيذ عملية انتقام وتصفية حساباته ضد هذا المجاهد الذي لا يزال مطلوبا لديه على خلفية أنه أطلق عليه النار في إحدى محاولات عناصر جيش التحرير القضاء عليه. وهي شهادة أخرى على دمويته حتى بعد الاستقلال، رواها صاحبها ل''الخبر'' رافضا نشر اسمه. وحاول التسلل إلى الجزائر سنة 1984 مستغلا بداية ماسمي آنذاك ''حملة الأقدام السوداء'' وفي رواية أخرى تداولها مغتربون من المنطقة، أن لخضر بوغراب كان قد كشف لأحدهم أنه بصدد الإعداد للدخول إلى التراب الجزائري بواسطة هوية مزيفة، بغرض استعادة أراضيه وممتلكاته بقريته الأصل، مستغلا الظرف السياسي الذي كان سائدا، بنشوء جدل حول ممتلكات الأقدام السوداء التي تركوها في الجزائر بعد مغادرتهم عقب إعلان الاستقلال، لكنه تراجع في آخر لحظة عن تنفيذ خطته تلك لخشيته من الوقوع في يد عائلات ضحاياه، والانتقام منه وإدراكه أفعاله الإجرامية التي لا تغتفر مهما طال الزمن ولن تجد لها عفوا بالتقادم لبشاعتها ودمويتها. فهل سيتمكن المجرم من العودة يوما إلى مكان جريمته؟ وهل ستتجرأ ابنته جانيت على الافتخار به لو قدر لها زيارة رسمية إلى موطن والدها الأصل، وسمعت بنفسها هذه الشهادات وهي صاحبة دكتوراه القانون المشهود لها ساركوزيا بالكفاءة والنزاهة والالتزام بالدفاع عن القضايا الحقوقية المناهضة للتمييز والتعذيب؟ ذلك ما سيتركه مجاهدو المنطقة وضحايا الحركي لخضر بوغراب لمستقبل الوزيرة في منصبها القائم أساسا على إسكات موجة سكان الضواحي من فرنسيي درجتها الثانية.