يحمل احتضان قطر لكأس العالم 2022 الكثير من مشاعر الفرحة ونشوة الانتصار وأيضا الكثير من ''الحسد'' على تألق بلد صغير. تفسير النجاح القطري لا يصمد أمام فرضية وفرة المال، لأن ما تملكه قطر مقارنة مع منافسين آخرين لها لاحتضان دورة 2022، يبرز الفارق لصالح دولة مثل أمريكا و لا جدال في ذلك. الملاحظ على الملف القطري اتباعه طريقة بسيطة، لقد جمع نخبة من الأسماء والنجوم في الفن والرياضة وحضّر مجسمات لملاعب وشبه مدن جديدة، الى جانب مشاريع أخرى،مثل توسيع مطار العاصمة وإنجاز مترو يقال أنه سيكون فريدا من نوعه. ووصل جنون القطريين إلى اقتراح ملاعب مكيّفة. وفي الكواليس أدت الدبلوماسية القطرية ما كان منتظرا منها، أي التمكين لطموح بلدها ليتحول الى حقيقة. هل تصمد قطر أمام ''حسد'' الإخوة والأصدقاء؟ من العرب من يستصغر هذا البلد لأن حكومته رضيت باحتضان أكبر قاعدة عسكرية أمريكية. ومن الأشقاء والأصدقاء كأمريكا وبريطانيا من يحقد عليها بسبب ''جرأة'' قناة الجزيرة.فقد فشلت الى اليوم جميع محاولات النيل من سمعة العاملين في هذه القناة. وكان التحدي بالنسبة إليهم بمثابة الحافز الذي يضيف لهم جرعات إضافية من الاحترافية والشجاعة. وهناك من يحقد عليها كرئيس مخابرات اسرائيل بسبب نشاطها في الشرق الأوسط. والعبرة من نجاحات قطر، أن هذا البلد الصغير كبر بطموحه وارتقى بفضل مستوى ارتفاع التحديات. ويمكن أخذه كتجربة يمكن استنساخ أجزاء منها لتطبيقها في البلاد العربية. وأقصد تحديد أهداف وآجال للمشاريع وتنفيذ البرامج التنموية أو للقيام بترتيبات إصلاح سياسية. ولا يستبعد تراجع التحرش بقطر من أجل إفشال مسيرته وإيصالها الى طريق مسدود. فتكرار التجارب الفاشلة سيؤدي الى تراكم الأسى العربي وإلى الاقتناع بأن الفشل هو طبيعة وليس ظرفا، وأنه، أي الفشل، لا مفر منه.. هو فينا وهو جزء منا. فتراكم التجارب الفاشلة سينتج سيولا من الغضب ويضخم مخازن الإحباط، في حين نجاح أي تجربة يمكن أن تؤدي الى استعادة الأمل. ومن هذه الزاوية يتم تعقب تجربة تركيا في الانتقال السياسي والمجتمعي والارتقاء الاجتماعي بفضل النجاح الاقتصادي. كذلك، تعد إيران مصدر قلق، لأن نجاحها نوويا وتحكمها جزئيا في التكنولوجيا والصناعة العسكرية يقرأ على أنه موضوع يمكن انتشاره. والبلدين الاسلاميين، الى جانب باكستان، يقدمون الدليل على ضعف حجج ''نظرية تخلف المسلم''. وهي نظرية تقوم بتزويد الكتابات والمؤلفات (محليا ودوليا) بأسباب انتشار اليأس والتشجيع على ترويج المبررات. عجزت حلول ''الحكم الراشد'' و ''الاصلاحات السياسية'' من تنقية الأجواء وزادتها شكوكا على ظنون حول المسار الذي يرفع من الشعارات، ما يؤدي الى نقيضه.فالتجارب القومية ثم الاسلامية أضحت شعارا للفشل ودليلا على الفشل ومبررا مسبقا على فشل مسبق. فهناك استهلاك واسع للمصطلحات من دون الاستفادة بما توازيها من تحولات ايجابية. وأخطر حالة نشكو منها اليوم كعرب أو مسلمين، تفسخ عقد الثقة بين المثقف وبين العامة. فكل مصطلح من المصطلحات الكبيرة المستخدمة في النصوص والمشاريع لها قراءات غير ايجابية، فهي في نظر المواطن مرادفات للتبعية والقهر أو عدم الاهتمام واللامبالاة بمصير البسطاء وبظروف عيشهم، وهي ظروف تجعل من المحاولات الجادة، على قلتها ومحدوديتها، تصل الى طريق مسدود. لهذا أعتبر نجاح قطر، خروجا عن المألوف واستثناء عن قاعدة اليأس والفشل المسبق، ويمكن لنا قراءتها على إمكانية تجاوز الحصار، بغض النظر عن لون وطبيعة الحصار.. أو مصدره.