أثبت الشعب التونسي أن القمع الذي عاشه أكثر من خمسين سنة تحت نظامي بورفيبة وبن علي، لم يقتل فيه روح الثورة ضد ''الحفرة'' مهما كانت الظروف، فمن كان يعتقد أن النظام البوليسي الذي وضعة الجنرال بن علي سيفشل في استباق الأحداث والسيطرة عليها في المهد، ومن كان يسمع بمدينة سيدي بوزيد التي انطلقت منها الثورة بعد أن أحرق الشاب البوعزيزي نفسه لأن شرطيا من زبانية بن علي أراد أن يفرض عليه الموت جوعا من خلال حرمانه من أبسط حق من حقوق الإنسان وهو الحق في الحياة. بن علي كان دائما يقدم للخارج صورة البلد المتطور واللامع بفضل انتعاش السياحة وتقدم النظام التعليمي وتحرر المرأة حتى صدق العالم أن النمو الاقتصادي لا يحتاج إلى ديمقراطية، وأن حرية التعبير قد تضر ''بصورة البلد في الخارج''. وكلما طالب أحد بالحرية في تونس تتحرك أذناب النظام في الداخل والخارج لتخويف التونسيين من عودة ''الإسلاميين الظلاميين''، لكن من سوء حظهم هذه المرة، فإن الشعب خرج بكل أطيافه، يقوده الجامعيون والمحامون والأطباء يقولون لا لمافيا سلبت الخيرات القليلة التي تملكها البلاد، بدعم من دول مثل فرنسا التي تتحدث عن حقوق الإنسان في كل دول العالم وتصمت عندما يتعلق الأمر بتونس، حيث يرسلون فقراءهم وأغنياءهم للتمتع بشواطئ يحرم منها التونسيون أنفسهم. المهم أن نهاية بن علي التي بدأت بخرق الدستور من خلال تعيين الوزير الأول نفسه رئيسا للبلاد، تماما كما حدث في الجزائر من خلال إنشاء المجلس الأعلى للدولة، وهو مؤسسة حكم جماعي تم اختراعها بعد إقالة الجيش للرئيس الشاذلي بن جديد، كما اعترف بذلك اللواء خالد نزار. لذلك لا يمكن أن يقبل الشعب التونسي، الذي ضحى بعشرات القتلى من أجل استرجاع حريته وكرامته، بتولي الوزير الأول محمد الغنوشي السلطة، وهو في الحقيقة ليس إلا نسخة طبقا للأصل للجنرال بن علي، كما أن ظهوره في التلفزيون بجانب وزير الداخلية ورئيس البرلمان يعني أن نظام 7 نوفمبر 1987 لم يسقط. لذلك فإن الوقت الآن لتحضير الديمقراطية الصحيحة التي لا تقصي أحدا، ولا تعني الديمقراطية أن تتعدد الأحزاب التي تحمل برامج سياسية مكررة، لا تظهر إلا في المواعيد الانتخابية لتشارك بصفة صورية، وهذا الوضع هو الذي كان قائما في عهد بن علي. التونسيون أعطوا درسا لكل المنطقة العربية التي تئن تحت وطأة أنظمة تمارس ديكتاتورية عفنة لا تليق حتى لقيادة ''الحيوانات''، فما بالك بقيادة أمة هي خير أمة أخرجت للناس. [email protected]