قال الروائي الفرنسي جيروم فيراري إن روايته الجديدة ''حيث تركت روحي''، تستقي أحداثها من معركة الجزائر، وتتخذ منها فضاء روائيا. وأضاف فيراري في حديث مع ''الخبر''.. ''ما كان يهمني في هذه الرواية، هو النظر في كيف يجد الإنسان نفسه، في وضعية تسمح له بممارسة التعذيب على الآخرين''. ذكر جيروم فيراري الذي عاش في الجزائر بين 2003 و2007، حيث شغل منصب أستاذ الفلسفة بالثانوية الدولية بالجزائر العاصمة، أنه اهتم بالظاهرة الاستعمارية، حينما شاهد الشريط الوثائقي الذي أخرجه باتريك روتمان بعنوان ''الصديق الحميم''، وقال '' شدني الشريط كثيرا، وبالضبط الشهادة التي أدلى بها ضابط فرنسي سابق شارك في معركة الجزائر، تحدث عن نفسه بإعجاب، رغم أنه مارس التعذيب، لكنه أبدى في نفس الوقت إعجابه بشخص العربي بن مهيدي. وتشكل هذه اللحظة بالذات نقطة انطلاق هذه الرواية التي نالت إعجاب القراء في فرنسا، وتحصلت على جائزة ''فرانس تلفزيون الأدبية''. تنطلق أحداث الرواية من اعترافات النقيب أندرياني، بعد مرور سنوات طويلة على نهاية ''حرب الجزائر''، وتمسكه بشرعية ممارسة التعذيب على الفدائيين الجزائريين، إلى حد التبجيل، على خلاف الملازم أندري دوغورس، المكلف باعتقال فدائي يسمى الطاهر (العربي بن مهيدي)، بعد التوصل لمعرفة مخبئه في حي تيلملي، على إثر التعذيب الفظيع الذي مارسه على فدائي آخر عجز عن التحمل، والذي يجد نفسه مجبرا على تنفيذ الأوامر. وتقدم الرواية شخصيات عسكرية فرنسية، تعرضت للتعذيب خلال الحرب العالمية الثانية، من قبل النازية، لكنها سمحت لنفسها بالقيام بنفس الممارسات اللا إنسانية على الفدائيين الجزائريين. ويعتقد فيراري أنه ''لم يسع لتقديم رواية تاريخية حول ''حرب الجزائر''، بل رواية حول الوضعية البشرية. وقال ''أنا من المعجبين بالصوفية، (وبالمناسبة اكتشفت وقرأت شعر الحلاج هنا في الجزائر)، وكنت أرغب في الخروج عن تسلسل الأحداث وكتابة رواية فلسفية''. وعن سؤال حول عودته المتكررة للكتاب المقدس، قال فيراري ''يشكل الكتاب المقدس بالنسبة إلي إحدى أهم المرجعيات الأدبية، لما فيه من قوة جمالية. زد على ذلك، كنت بحاجة للعودة إلى الكتاب المقدس لأن بطلي يعاني من مشكلة أخلاقية، فهو يؤمن بالمسيح، ويمارس التعذيب بصفته جنديا في الجيش الفرنسي''. وأوضح جيرورم فيراري، الذي لم يكتشف ''حرب الجزائر''، كما اكتشفها روائي آخر من جيله، وهو لوران موفينيي، الذي كتب بدوره العام الماضي رواية مماثلة بعنوان ''رجال''، استقى أحداثها من مشاركة والده في الحرب، بل من خلال تواجده في الجزائر، وأضاف ''طبعا لا يوجد أدنى غموض بالنسبة إلي، فالظاهرة الاستعمارية أراها من زاوية نقدية''. مضيفا ''لكن ما يهمني، هو مسألة اختبار الضمير، وفهم المسائل المتعلقة بالنفس البشرية، وليس الدخول في التفاصيل التاريخية''. وبشأن الكيفية التي استقبل بها قدماء ''الجزائر الفرنسية'' روايته، قال فيراري ''تخوفت في البداية أن تتعرض روايتي لمحاكمة أيديولوجية، لكن ذلك لم يحدث''. يذكر أن رواية ''حيث تركت روحي''، صدرت مؤخرا في طبعة جزائرية عن منشورات ''البرزخ''.