فرحة المصريين لا توصف بسقوط نظام الاستبداد. بعد ثلاثين سنة من القمع والفساد والخيانة تمكن الشعب المصري من إزالة حسني مبارك من كرسي الرئاسة. العملية تجاوزت الأسبوعين من الاعتصام والمسيرات. حاول خلالها مبارك ونظامه الالتفاف على إرادة الغاضبين، بالترغيب تارة وبالترهيب أخرى، لكن هيهات. تهاوى حكم النظام في مصر، وتهاوت معه أحلام عائلة مبارك، التي حوّلت مصر العظيمة إلى ''عزبة''، يديرها الرئيس وزبائنه لحسابه الخاص. فقد كشفت صحيفة الغارديان البريطانية أن أملاك عائلة مبارك قد تصل 70 مليار دولار. ومع مبارك، كانت مصر مرتعا لزمر رجال الأعمال والسياسيين الفاسدين حوله، ينهبون خيرات أهلها ليل نهار. ماذا كان يريد مبارك بعد ثلاثين سنة من الحكم الفردي، وقد تجاوز سن الثمانين؟ ربما كان محقّا عندما قال إنه لم يكن سيترشح لفترة رئاسية سابعة. لكنه كان يحضر الكرسي لابنه، جمال، منذ سنوات. فقد جعل منه في فترة وجيزة رقما هاما في الساحة السياسية التي يسيطر عليها ''الحزب الوطني الديمقراطي''. ولم يكن أحد في مصر، وفي خارج مصر يشك لحظة واحدة في أن جمال مبارك سيخلف والده في رئاسة مصر. وإذا حسني مبارك قد جثم على صدور المصريين 30 سنة، فإن ابنه كان سيبقى ما شاء الله، من الزمن لفارق السن بينهما أثناء تولي الرئاسة، ولفترة يكون قد أنجب فيها من يخلفه هو أيضا في جمهورية المماليك. تمكن حسني مبارك في سنوات حكمه من إحكام كل المنافذ، وسد كل الأبواب، وساعدته الدول الحليفة، وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل، نظير خدماته الجليلة. فالدول الغربية قد أثبتت كلها، دون استثناء، أنها تنحاز في العالم العربي للدكتاتورية الخدومة، على حساب الديمقراطية غير المضمونة. ولم يكن نظام مبارك ليسقط لولا أن الشارع المصري كان يقوده شباب متميز واستثنائي، لا يلتزم بالتيارات السياسية الموجودة في الساحة، وحساباتها. ولذلك فقد فاجأ كل مراكز البحث والدراسات الاستراتيجية والمخابرات العالمية، فلم تستطع أن تتوقع ثورته، كما أنها لم تقدر على توجيه قادته في الميدان. أزال شباب مصر النظام الفاسد والمستبد عن بلادهم. وقد أفسدوا بذلك خطة عائلة مبارك وزبائنها. خطة كانت سترهن مصر لأربعين أو خمسين سنة قادمة، على يد ابنه من بعده. لقد أنقذوا الأجيال القادمة في مصر، من عقود من القمع والاستبداد، وخلصوا العالم العربي من بؤرة خيانة أذلت المصريين، وداست على كرامتهم. في الجزائر، يعرف الشارع نظام مبارك. وهو يقاسم المصريين فرحتم بسقوط الطاغية المستبد. فقد كانت الجزائر ضحية عائلة مبارك وأذنابهم، من سياسيين وفنانين ورياضيين، وإعلاميين، تطاولوا على الشعب الجزائري، وأساءوا إلى شهدائه، وأشعلوها حربا ضد كل ما هو جزائري، بأمر من عائلة مبارك. خطيئة الجزائر أنها ساهمت في إفساد خطة التوريث، بركلة قاتلة في مباراة كرة قدم. برجله، تمكن لاعب المنتخب الجزائري عنتر يحيى، من حيث لا يدري، من إفساد العرس على عائلة مبارك، التي كانت تحضر للاحتفال بتأهل الفراعنة لنهائيات كأس العالم، وتجلس في جو الاحتفال جمال على عرش والده. فنانون كنا نحسبهم في قامات عالية في سماء الإبداع والفن، إذا بهم يتحوّلون إلى سوقة يقولون عن الشعب الجزائري، الذي سالت دماء أبنائه في سيناء، ما لا يقولونه عن الصهاينة والمتوحشين. وأدباء وإعلاميون وحامون سقط عنهم الأدب، وتحولوا إلى غوغاء، يقذفون بلادا دفعت من أجل شرف مصر المال والرجال، بلا حساب. سقط نظام مبارك. ومعه لابد أن تختفي تلك الوجوه القبيحة، والألسنة المأجورة، في الإعلام والأدب والسينما، وبين المحامين والمثقفين المصريين. لابد أن يفسح المرتزقة الجبناء الطريق للمصريين الشرفاء. آن الأوان لمصر أن تتبوأ مكانتها الطبيعية، مصر أحمد زويل، وفاروق الباز، والقرضاوي، ووائل غنيم.