في ظل استمرار القوات الأمنية في استخدام أعمال العنف المسلح ضد المعتصمين خاصة خلال اليومين الماضيين، يواصل عشرات الآلاف من الشباب الثائرين اعتصامهم المفتوح في العديد من الساحات اليمنية بمسمياتها ''التحرير والتغيير والحرية''، تحت سقف المطالب ذاتها التي رفعوها منذ اندلاع المظاهرات الاحتجاجية في اليمن منتصف الشهر الفائت ''إسقاط النظام ورحيل الرئيس''. ومع كل يوم يمر لا يبدو لأي مراقب احتمال تراجع الثورة الشعبية عن خياراتها ولو من بعيد، فالزيادة المضطردة في أعداد المعتصمين والمنظمين في الساحات وتساقط الكثير من الأوراق من يد الرئيس وفشله حتى الآن في احتواء الاحتجاجات الغاضبة، تذهب إلى أن لدى اليمنيين إصرارا على السير في الطريق نفسه الذي سلكه من قبل كل من المصريين والتونسيين.. في ساحة ''التغيير'' بالعاصمة صنعاء، حيث يرابط للأسبوع الرابع عشرات الآلاف من المعتصمين تحت شعار ''اعتصام اعتصام حتى يرحل الرئيس صالح''، كانت لنا جولة في أوساط المحتجين لمعرفة كيف يعيشون بعد محاولات عدة لاقتحام المخيم، وبحثا عن إجابة لاستفهام عما إذا كان ما يقوم به الشباب هو تقليد لما حدث في مصر وتونس أم أن هناك مسببات أخرى؟ وكذا التعرف عن قرب على تطلعات الشباب وما يرجونه من ثورتهم. اليمنيون يستوردون تفاصيل تسيير الصورة والاعتصام من تونس ومصر يؤكد الشباب ل''الخبر'' أنه كلما زادت القوات الأمنية استخدام العنف ضدهم يزدادون ثباتا وقوة وإصرارا على مواصلة الاعتصام حتى بعد رحيل النظام. وقال الشاب محمد خالد البالغ من العمر 30 عاما: ''كل يوم يزداد عدد المعتصمين وخلال يومي السبت والأحد الماضيين عندما هاجمت القوات الأمنية المخيم وراح ضحيته مئات بين قتيل وجريح، خرج المواطنون من منازلهم متضامنين معنا ومعتصمين يركزون الخيام في ساحة التغيير التي لم تعد تكفي للمعتصمين''. وعن كيفية تسيير الاحتجاجات وساحات الاعتصام يقول خالد: ''إن اللجان الشبابية التي تعمل في الساحة زاد تنظيمها وعملها بشكل منظم وأفضل يوما بعد آخر، مشيرا إلى أنهم استطاعوا تقسيم الأدوار فيما بينهم، حيث هناك لجان ميدانية هي لجنة الخدمات والطبية والأمنية والإعلامية كل لجنة لها دور معين في الساحة''. وتظل الأناشيد والأغاني الوطنية والخطابات مستمرة طوال النهار وحتى إلى ساعة متأخرة من الليل، كما تنشط الندوات والمحاضرات الثقافية التي تصب لتحميس المحتجين من أجل الصمود وأيضا تظهر الإبداعات والرقصات في الساحة من فنانين بمختلف الألوان الغنائية التي تتميز بها اليمن. وقال الشاب معمر، محمد 32 عاما، الذي أظهر قدرة على الغناء، أنا ''مستعد للغناء طوال اليوم مع الثوار الشباب الصامدين في الساحة المطالبين برحيل النظام''، مشيرا إلى أن صمود الشباب جعله يتذوق الغناء الثوري. أما الشاب محمد اليوسفي فلا يجد حرجاً في القول ''إن ما حدث في تونس ومصر جعله يحب التقليد طالما أن مثل هذا التقليد سيؤدي إلى تخليص الشعب من نظام فاسد أثبت فشله طوال سنوات حكمه العجاف وسمم حياة الناس''. ويضيف اليوسفي ''لدينا في اليمن ما يبعث أكثر من ثورة لتطهير البلاد من نظام الرئيس صالح واستعادة الأمل بحياة كريمة يصبح فيها النظام تحت إرادة الشعب وليس العكس''. وفي لحظة انتشاء عجيبة يقول ''اليوم أصبح مصير الرئيس صالح بيدي بعد أن كان مصيري بيده''. ''لهذا نحتج ولهذا نواصل الاحتجاج'' وفيما تحدث عبدالعزيز العشاري البالغ من العمر 23 عاما، عن حالة متردية أصبح يعيشها البلد، مستشهداً بوضع التعليم والصحة والعدل وحجم الفساد المستشري في تلك القطاعات، وضرورة رحيل النظام الحالي باعتباره السبب في كل الكوارث في البلد على حد تعبيره، يذهب إلى تأكيد أن الثورتين المصرية والتونسية لعبتا دوراً كبيراً في تحرير الشعوب المقهورة بأنظمة حكم استبدادية من خوفها وكسرتا كل الحواجز المصطنعة أمامها لتهتف بصوت واحد ''الشعب يريد إسقاط النظام''. ويتمنى العشاري أن يفهم الرئيس صالح مبكراً قبل أن يفوت القطار، وعليه وحده يقع اختيار طريقة رحيله. ولم ينسُ أن يردد ''مطلبنا واضح ارحل يا صالح''. تقليد ثورتي تونس ومصر أولى من تقليد مايكل جاكسون وميسي من جانبه يرى مختار السياني، 21 عاماً، أن تقليد المصريين والتونسيين وقد صنعوا ثورة تاريخية لم يحدث مثيل لهما من قبل، أولى من تقليد ملك البوب الراحل مايكل جاكسون وتايسون ولاعب نادي برشلونة ميسي وغيرهم ممن يحرص الكثير من الشباب العربي على تقليدهم. ويتابع ''عندنا في اليمن الناس هلكت وفسدت حياتها والسبب الرئيس صالح وشلته وأسرته، لا هم ضبطوا أنفسهم ولا ضبطوا البلاد.. السارق يسرق بلا حساب والفاسد يفسد بلا عقاب وأصبحنا في حالة''. أما أحمد غالب فيقول من داخل خيمته التي نصبها وسط ساحة التغيير، إن انتظار اللحظة التي يعيشها الآن دام كثيراً ولا يمكن التفريط فيها بأي شكل من الأشكال قبل أن يسقط أو يرحل النظام. ويتمنى لو يتعرف على من ابتدع شعار ''الشعب يريد أن يسقط النظام'' فيقبله على قدمه اعترافاً له بالفضل، ويختتم ''اعتصام اعتصم حتى يرحل النظام''. وعن تسيير الحاجات اليومية للمعتصمين، يقوم الشباب بتوفير الغذاء لكافة المعتصمين في الخيام والدواء للمصابين وفي مساء كل يوم يقومون بحملة نظافة في الساحة بشكل جماعي. ويقول الشاب زكريا قطوين مسؤول التغذية في لجنة الخدمات إنهم يوفرون الوجبات الغذائية الثلاثة من فطور الصباح وغداء وعشاء يوميا لما يقارب 7000 شخص، فيما تحضر عائلات الأكل من المنازل لأبنائهم المعتصمين، وأضاف قطوين: ''نقوم بتوزيع بطاقات لكافة اللجان الميدانية ويتم التعامل مع شخص من كل لجنة ليصرف له الوجبات الغذائية، ليقوم هو بعدها بتوزيعها لأفراد اللجان العاملة في الميدان''. وتظل اللجان التي يديرها الشباب تعمل بشكل مستمر موزعين الأدوار بينهم لتوفير احتياجات المعتصمين، حيث يقول الطبيب سامي زايد الذي يعمل طوعيا في المستشفى الميداني بالساحة: ''إننا كأطباء نقوم بمعالجة المصابين بالعلاج العربي ونجد صعوبة لعدم توفير كافة المعدات الطبية والأدوية اللازمة خاصة للذين يصابون جراء القنابل المسيلة للدموع التي تحوي غازات سامة تؤدي إلى اختناقات وانهيارات عصبية للمصابين، ويصعب إخراج السموم من جسم الضحايا الأمر الذي يحتاج إلى أجهزة متطورة''، وناشد المنظمات العالمية المحلية الطبية تقديم المساعدة من أجهزة ومعدات طبية وأدوية لتخفيف الآم المصابين المعتصمين. ولا يختلف عمل اللجنة الأمنية الذين تعرض أغلب منتسبيها إلى الإصابات ومنهم من قتلوا، حسب شاب من اللجنة تحدثت إليه ''الخبر'' رافضا الكشف عن اسمه، حيث قال إن أعضاء اللجنة الأمنية يتعرضون يوميا لإصابات من قبل رجال الأمن أو من أسماهم ب''البلطجية'' الموالين للنظام، مشيرا إلى أنه خلال يومي السبت والأحد الماضيين أصيب أكثر من 100 شاب من أعضاء اللجنة، ولكن ذلك، حسب قوله، لم يؤثر على معنوياتهم بل زاد عدد الشباب المتطوعين للعمل في اللجنة الأمنية التي تقوم بعملية تفتيش الداخلين للمخيم خوفا من مندسين هدفهم إفشال الاعتصام. وأكد أنهم عثروا على أشخاص يحملون أسلحة يريدون التسلل إلى المخيم بغرض إحداث المشاكل والفوضى، لكن يتم مصادرة تلك المعدات من مسدسات وخناجر. وتعد لجنة التبرعات من أهم اللجان التي تزود كافة الاحتياجات لهم من غذاء وأدوية وغيرها لاستمرار الاعتصام. لكن نائب رئيس اللجنة ماجد الشيباني يناشد رجال الأعمال وفاعلي الخير المساهمة في تحقيق أهداف الشباب المعتصمين والتبرع بالمال خاصة مع تزايد عدد المصابين، ما يزيد من الاحتياجات وإنشاء مراكز طبية في المخيم. وأوضح المتحدث أن معظم المتبرعين من رجال الأعمال وغيرهم يأتون إلى داخل المخيم ويتبرعون لصالح الشباب، مشيرا إلى أنهم حتى اللحظة لم يخرجوا إلى خارج المخيم لجمع التبرعات، مشيرا إلى أنه يقوم بالتعامل مع مطاعم في العاصمة صنعاء لتوفير كافة الوجبات الغذائية التي تقوم لجنة الخدمات بتوزيعها على المعتصمين. ''الخيار.. ارحل'' في مشهد لافت يتواجد خالد بائع الخيار في طول وعرض الساحة ذهاباً وإيابا وهو يقود عربة أشبه ربما بعربة محمد البوعزيزي مع فارق أن عربة البوعزيزي كانت تحمل خضارا وعربة خالد خيارا. لكن العبارة التي يرفعها خالد ''الخيار.. ارحل''، كانت إبداعا نضاليا بات معه جلياً أن الناس أصبحوا يتقنون نضال الشوارع. وحينما تسأل خالد عن وجوده في ساحة التغيير يشير إلى تلك العبارة كجواب يعده كافيا لمن يفهم. أما الشاب هشام عبدالله، 26 عاماً، فأوضح أن الأمة العربية كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد، وما حدث في مصر وتونس كان لا بد أن يتفاعل معه كل البلدان العربية خاصة من لديها مشكلة مع النظام كاليمن. واعتبر هشام أن سياسة الحزب الحاكم وأخطاءه ''القاتلة'' والمتواصلة في إدارة البلاد ويأس الناس من صلاحه وإصلاحاته، جعلهم يبحثون عن حلول أخرى، واتضح من ثورتي تونس ومصر أن الحل الأفضل والأسرع هو إسقاط النظام. وعما إذا كان هناك خيار آخر قال: ''لا علاج آخر لدينا لكل أزمات البلد غير رحيل النظام وإسقاطه وفي مقدمته الرئيس صالح''.
الوضع يزداد تعقيدا في اليمن استقالات متتالية لمسؤولين سامين واستمرار سقوط الضحايا يتزايد الوضع في اليمن تعقيدا يوما بعد يوم، حيث أعلن نائب رئيس البعثة اليمنية الدائمة في المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف، السفير عبدالله النعمان، أول أمس، استقالته وانضمامه للمحتجين المطالبين بإسقاط الرئيس علي عبدالله صالح، احتجاجا على قمع المتظاهرين في اليمن. وقال النعمان إنه قدم استقالته من منصبه في الخارجية اليمنية أثناء تواجده في جنيف في مهمة رسمية ''احتجاجا على مجازر نظام علي عبدالله صالح بحق المتظاهرين السلميين''. ويعد النعمان أول دبلوماسي يمني يقدم استقالته عقب نحو 20 برلمانيا، أعلنوا الأسبوع الماضي انسحابهم من كتلة المؤتمر الشعبي العام الحاكم. وكان القاضي حمود الهتار، وزير الأوقاف والإرشاد اليمني، قد أعلن أنه قدم استقالته للرئيس صالح ورئيس الوزراء علي مجور قبل أيام، احتجاجا على قمع الأجهزة الأمنية للمتظاهرين والمعتصمين المطالبين بسقوط النظام في صنعاء، وبقية المحافظات. وفي عرق آل شبوان قام مسلحون قبليون، مساء أول أمس الاثنين، بتفجير أنبوب نفط يمر بالمنطقة التي تقطنها قبيلة جابر الشبواني الذي قتل العام الماضي أثناء ضربة جوية كانت تستهدف تنظيم القاعدة. وقال مسؤولون إن النيران مازالت مشتعلة في خط الأنابيب الذي تعرض لتفجيرات متكررة في الشهور الأخيرة. وعادت قضية مقتل جابر الشبواني إلى السطح مع تصاعد الاحتجاجات في اليمن، بعد أن كانت أسرة الشبواني قد قبلت التحكيم القبلي في القضية. ونصب والد جابر الشبواني خيامه فوق أنابيب النفط التي تمر عبر أراضي القبيلة منذ الجمعة الماضي، مطالبا الرئيس صالح بسرعة الكشف عن القتلة الحقيقيين والضالعين في مقتله، بينما يتحدث آل شبوان عن ضلوع مسؤول يمني كبير في الوقوف وراء مقتل جابر الشبواني. وقالت مصادر قبلية إن مهندسين وصلوا إلى المنطقة لإصلاح الأنبوب، إلا أن المسلحين القبليين منعوهم من القيام بإصلاحه. وفي سياق الأحداث الأمنية المرتبطة بالاحتجاجات في اليمن، لقي ناشط معارض حتفه، أمس، في محافظة الجوف شمالي اليمن، خلال اشتباكات قبلية بين أنصار الحزب الحاكم وأنصار المعارضة، حسبما ذكر مصدر أمني لوكالة الأنباء الفرنسية. وأضاف المصدر أن القتيل يدعى ناصر مصلح نسم، وهو من التجمع الوطني للإصلاح، أحد مكونات المعارضة البرلمانية. وفي محافظة تعز وضعت قوات الأمن، أمس، الحواجز الإسمنتية الأمنية عند أحد مداخل ساحة الحرية أمام بنك التسليف الزراعي، بغرض عدم نصب الخيام في الشوارع المؤدية إلى الساحة بسبب تدفق المزيد من الوفود إلى المعتصمين، وقد حدث بعض التوتر والاحتكاك بين قوات الأمن والمعتصمين، ما أدى إلى إطلاق النار في الهواء من قبل قوات الأمن، إلا أنه تم احتواء الموقف وتهدئة المعتصمين. القسم الدولي/الوكالات