مضحك أن نقرأ أن الحكومة قررت أخيرا دراسة ''مشاكل البيروقراطية في الإدارات''، وهي تكاد تحصر هذه المشاكل في بعض الخدمات، خاصة الحصول على الأوراق الإدارية. تصوروا.. هناك مشكلة في استخراج أوراق إدارية. والله عيب. المشكلة أكبر من ذلك بكثير. البيروقراطية بحد ذاتها، باعتبارها إحدى أدوات السلطة وباعتبارها ركيزة من ركائز الدولة، في حاجة لثورة كاملة. جل الخبراء الذين كتبوا في الموضوع رأوا أن البيروقراطية ما هي إلا انعكاس لحال النظام السياسي، إنها صورته وأداته ومنطقه. الغريب الطريف أن الإدارة تشتكي هذه الأيام من فساد ''الأميار''. والسؤال الحقيقي: ما الذي أفسد البيروقراطيات كلها؟ بعض ''الأميار'' فاسدون أولا لأنهم لا يمثلون الناس وجاؤوا إلى مناصبهم وفق قواعد لا علاقة لها بالانتخابات في الغالب، وثانيا لأنه ليس هناك رقابة سياسية ولا قضاء مستقل ولا قدرة للمواطن على التشهير بالفساد، وفق قاعدة من رأى منكرا.. عندما نعود للتاريخ القريب، نجد أن منطق هذه البيروقراطية يتطابق في الكثير من أوجهه مع البيروقراطية الكولونيالية. فمنطق هذه البيروقراطية ما زال يجعل المواطن متهما وينبغي أن يثبت، المرة تلو المرة، براءته. وأكثر من هذا، فإن الرشوة صارت منتشرة بطريقة علنية، إذ يمكن أن تحصل بالرشوة والمعارف على كل شيء، القانوني وحتى غير القانوني. كما أن قادة البيروقراطية مثلهم مثل القادة السياسيين يستفيدون، مثلما كان المتصرفون الإداريون أيام الاستعمار، مما يمكن أن نسميه ''معصومية''، لا رقابة عليهم إلا في حدود شكلية، وكل القوانين في خدمة هذه البيروقراطية لا المواطنين. إنها أداة نيوكولونيالية بامتياز. اليوم، الحكومة تتناقض مع نفسها، إنها من الناحية الأساسية تعمل على تقليص دور السياسي والمنتخب، حتى وهي تسيطر عليه تماما، وهناك احتجاج واسع للمنتخبين في البلديات، ومن ناحية أخرى تقول إنها ستتخذ إجراءات لحل مشاكل البيروقراطية. الأمر بسيط جدا.. تخلوا عن الوصاية على الناس، دعوا الناس تختار من يمثلها ويحمي مصالحها فعلا، وذلك هو ضمان الإصلاح الحقيقي. بركات البريكولاج!!