وعد رئيس الجمهورية بالإعلان عن إصلاحات سياسية دون أن يحدد موعدها، وقال مبعوثه الخاص عبدالعزيز بلخادم، أمس، إن الإصلاحات لم يدفع إليها ضغط الشارع، بل توجد في ''أجندة'' الرئيس وشرع في تطبيقها مرحليا. وفي ذلك تلميح إلى أن الأحداث الأخيرة ليست وراء برمجتها. فهل عاد رئيس الجمهورية لنفض الغبار عن تقرير لجنة ميسوم سبيح لإصلاح هياكل الدولة؟ أشار وزير الداخلية دحو ولد قابلية، في دفاعه عن مشروع قانون البلدية، إلى وجود لجنة متخصصة مكلفة بالتقسيم الإداري الجديد، في إطار إعادة النظر في إصلاح هياكل الدولة. وقبلها تحدث وزير الخارجية مراد مدلسي، في مجلس حقوق الإنسان، أن رفع حالة الطوارئ كان مبرمجا في رزنامة الحكومة منذ عدة أشهر. هذه التصريحات وإن أريد بها إعطاء الانطباع بأن السلطة لا تخضع لضغوط الشارع في تنفيذ الإصلاحات السياسية، إلا أنها تؤكد أن رئيس الجمهورية عاد مجددا، بعد فترة تجميد دامت سنوات، إلى تحريك ''تقرير إصلاح هياكل الدولة'' الذي كلف بإعداده سفير الجزائر الحالي بفرنسا ميسوم سبيح يوم 25 نوفمبر .2000 وتكون اللقاءات التي عقدها رئيس الجمهورية في الأيام الماضية مع رؤساء المؤسسات الرسمية للدولة، تندرج ضمن محاولة ''تحيين'' المقترحات التي يتضمنها تقرير سبيح حول إصلاح هياكل الدولة، خاصة أن شقه السياسي هو الذي تم تجميده على وجه الخصوص. واقتصر التنفيذ على تعديل قانون الوظيف العمومي والإصلاح الإداري، بالرغم من أن تقرير ميسوم سبيح الذي لم يكشف عن محتوياته للرأي العام منذ إعداده، تضمن مسألة تعديل الدستور وتقسيم إداري جديد وإعادة التوازن بين صلاحيات الهيئة التنفيذية والتشريعية والقضائية في إطار ما يسمى بالحكم الرشيد. هذه العودة المتوقعة لتنفيذ ما تبقى من ''إصلاح لهياكل الدولة'' المنصوص عليه في تقرير لجنة ميسوم سبيح، من قبل رئيس الجمهورية، تدفع إليه العديد من المؤشرات، منها ما ورد على لسان وزراء الفريق الحكومي من أن هذه الإصلاحات التي يريد الرئيس تطبيقها لم يملها الظرف الحالي، ولكنها توجد في ''أجندة'' الرئيس منذ عدة شهور. لكن الأهم من ذلك، ما قاله رئيس الجمهورية عبدالعزيز بوتفليقة يوم 25 نوفمبر 2000، لدى تنصيبه لأعضاء اللجنة الوطنية لإصلاح هياكل الدولة ومهامها برئاسة ميسوم سبيح. لقد أكد يومها عبدالعزيز بوتفليقة أن هذه هي المرة الأولى منذ الاستقلال تؤسس لجنة في هذا المستوى وتوكل لها مهمة صياغة مقترحات تخص سير الدولة وتحدد مهام مؤسساتها على كافة المستويات. كما تحدث بوتفليقة يومها بأن المستجدات على الساحة الوطنية والعالمية تفرض على اللجنة إعداد مشروع يراعي المنظور الجديد للجزائر. كما حددت مهام اللجنة في إعداد تقرير يتضمن مقترحات تترك للسلطات المختصة حق المبادرة بها وطرحها في الوقت المناسب. ولكن بين هذا وذاك كانت غاية الرئيس من إنشاء هذه اللجنة، هي التحضير لدستور جديد. وتفيد عملية فرز المواقف السياسية التي أعقبت أحداث الشارع ليوم 5 جانفي الفارط، بأن مسألة تعديل الدستور توجد محل إجماع لدى أحزاب التحالف الرئاسي وحتى وسط المعارضة، ويكون إعلان رئيس الجمهورية بمناسبة عيد النصر عن إطلاق ''إصلاحات شاملة'' دون الكشف عن طبيعتها، بمثابة عملية جس نبض الطبقة السياسية، لتسهيل عملية فرز مواقف الأحزاب بخصوص بقية الملفات الأخرى على غرار المجلس التأسيسي، حل البرلمان، التشريعيات المسبقة وتغيير الحكومة التي دخلت كلها بورصة التداول.