الجزائر تحتاج إلى إصلاحات اقتصادية، نحن على علم بذلك منذ 1988، وفريق الإصلاحات الأفالاني بقيادة حمروش الذي كان يريد تحويل الاقتصاد الجزائري من اقتصاد مركزي مسير إداريا إلى اقتصاد سوق. لكن للأسف بعد أزيد من 20 سنة من التحول إلى اقتصاد السوق، لم نصل بعد إلى الهدف المنشود. إن الجزائر تحتاج أيضا إلى إصلاحات سياسية وعلى رأسها إصلاح الدولة. الرئيس بوتفليقة، وخلال عهدته الأولى بداية سنة 1999، قام بتنصيب لجنة برئاسة ميسوم سبيح، لإصلاح الدولة. وكلفه بتقديم مقترحات لإصلاح الدولة. هل سنعرف يوما ما محتوى تقرير لجنة إصلاح الدولة الذي أعده ميسوم سبيح؟ الجدير ذكره أن لجنة سبيح، عقدت عدة جلسات عمل مع الرئيس بوتفليقة، وبعدها لم نعرف أي شيء، وإلى اليوم ليس من حق الجزائريين معرفة محتوى ما توصلت إليه لجنة سبيح. هل يعني هذا أن توصيات اللجنة لم يحصل بشأنها إجماع حكومي؟ نفهم إذن أن التقرير لن يرى النور، أم هل أن الأمور تمت بدون أن يعرف أحد من الجزائريين محتوى الإصلاح؟ ولكن لنضع جانبا هذه الاعتقادات (الجزائر دائما كانت لها أسرارها) ونحاول دراسة ما يمكن أن يكون اليوم إصلاحا للدولة في الجزائر. يجب توضيح أن الخطاب الطويل التوجيهي للرئيس خلال تنصيب لجنة سبيح، يكون الرئيس بوتفليقة قد تقتصر الإصلاح في نقطة واحدة وهي: إصلاح الوظيفة العمومية والإدارات المركزية. يظهر من ذلك أن الدولة اختصرت. وأصبح إصلاح الدولة لا يعني أكثر من إصلاح الإدارة. وهو ما يعني إذن أن الإصلاح حدث داخل الدولة. الجزائر التي تعيش مرحلة تحول مجتمعي، تحتاج إلى إصلاح حقيقي للدولة وليس لإصلاح داخل الدولة، أي أنها في حاجة إلى إصلاح يعيد توزيع أدوار الدولة على جميع المستويات، حيث يمكن ممارسة العمليات بفعالية، باختصار نحن في حاجة إلى إصلاح يعيد توزيع السلطات العمومية اللازمة. أما إصلاح قوانين الولاية والبلدية، تم منحها لوزارة الداخلية. مما حد من عمل لجنة سبيح واختصرها في مجرد إصلاح للإدارة المركزية. من البديهي حدوث مشاكل في التناغم بين العمليتين. وخاصة أن مسألة تنظيم السلطات العمومية التي تحتاجها الدولة اليوم، لا تزال مطروحة، وهي المشكلة الرئيسية. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن إصلاح الدولة لن يكون له معنى إلا إذا وضع في سياق برنامج سياسي. غير أن المسؤولين السياسين الجزائريين ليس لهم أي مشروع سياسي. وعلى أية حال لا يوجد مشروع سياسي يشكل إجماع. إذن في أي اتجاه يجب إصلاح الدولة؟ إننا نذكر أيضا أن لجنتين مستقلتين عن بعضيهما وعن لجنة سبيح، تم تكليفهما بإصلاح المدرسة والعدالة. وهي القطاعات الأساسية لأي مشروع سياسي. أي مدرسة للجزائر، وأي تصور للعدالة للجمهورية وأي دولة للمجتمع الجزائري؟ إن هذه العناصر هي المحددة لأي مشروع سياسي؟ إن ما يحدث عندنا يشير إلى أننا نعمل بالعكس. إن نتائج إصلاح الدولة والعدالة والمدرسة، هي التي تحدث البرنامج السياسي وليس العكس. وبالمزج بين الإصلاحات الثلاثة، فإن الخطر كبير جدا في الخروج ببرنامج سياسي بالشكل الذي يريده القائمون على الإصلاحات أنفسهم. وهو ما يبدو أنه حدث بالفعل، لأنه لا واحد من الإصلاحات الثلاثة التي كان يفترض أن تطبع عهد الرئيس بوتفليقة، قد حققت النتائج المرجوة. لكن بالعودة لإصلاح الدولة، إذا كان لدولة مركز ومراكز جهوية ومحلية، هل تعزيز الدولة كمنظم رئيسي للاقتصاد والمجتمع، لا يمر حتما من خلال تفتيت المؤسسات؟ إن النقاش اليعقوبي لم ينته إلى اليوم بفرنسا، وهو ما يمكن أن يوضح الإصلاح الذي تقوم به الجزائر على الرغم من بعض الخصوصيات التي تتسم بالضعف الشديد للإدارة المركزية، والتأطير السيئ جدا للجماعات المحلية. بالإضافة إلى الفوارق الجهوية الخطيرة والفوارق بين الولايات والبلديات. فهل نبدأ بتعزيز الإدارة المركزية، أم الهيئات المحلية، أم القيام بذلك بنفس الوتيرة؟ إن تعزيز الهيئات المحلية سيخفف العبء على الهيئات المركزية مما يسمح لها بالقيام بالمهام الكبرى للدولة وبالتالي ستكون هناك نجاعة حقيقية؟ إن إصلاح الدولة هو إذن مسألة كبيرة جدا تتطلب نقاشا واسعا. إصلاح تركيبة السلطات العمومية وإعادة النظر في تقاسم السلطات وإعادة تحديد أهداف العملية العمومية. كل هذا لا يمكن القيام بها بدون مراجعة الدستور. إنه يتعلق في الحقيقية ببناء هيكل الجمهورية الثانية الجزائرية. الرهان نعرفه جيدا، وهو أن هناك مشروعا مهيكلا للمجتمع الجزائري بشكل يسمح له بالتساؤل حول مستقبله والتخلص من حالة التوحل التي نعيشها منذ أزيد من عشرية.