قال الله تعالى: ''فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ'' النور.36 وقال تعالى: ''رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وأقام الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَار'' النور.37 لقد مدح الله عزّ وجلّ هؤلاء الرجال بأنهم في بيوته التي أَذن أن تُرفَع ويُذكَر فيها اسمه وهي المساجد، ومَن أراد أن يسلك طريق أولئك الرجال فعليه بلزوم المساجد والجلوس فيها لذكر الله وقراءة القرآن. وكان سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجلس في المسجد مع الصحابة ويتذاكر معهم القرآن، حيث حدثنا جابر بن سمرة رضي الله عنه فقال: ''كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إذا صلّى الفجر تربَّعَ في مجلسه حتّى تطلع الشمس حسنًا''. وقد رغّبَنا سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في لزوم المساجد والجلوس فيها فقال: ''مَن صلّى الصبح في جماعة ثمّ قعد يذكر الله حتّى تطلع الشمس ثمّ صلّى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة''. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''لأَن أقْعُد مع قوم يذكرون الله من صلاة الغداة حتّى تطلع الشمس أحبّ إليَّ من أربعة من ولد إسماعيل، ولأَن أقْعُد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحبّ إليَّ من أن أعتق أربعة''. وفي الكتاب المصنف لابن أبي شيبة قال وكيع عن بشير بن سلمان عن سيار أبي الحكم عن طارق بن شهاب قال: كان عبد الله إذا صلّى الفجر لم يدع أحدًا من أهله صغيرًا ولا كبيرًا يطوف حتّى تطلع الشمس. وكان ابن أبي ليلى إذا صلَّى الصبح نشر المصحف وقرأ حتّى تطلع الشمس. وقال الوليد بن مسلم رأيتُ الأوزاعي يقبع في مصلاه يذكر الله حتّى تطلع الشمس ويخيرنا عن السلف أنّ ذلك كان هديهم فإذا طلعت الشمس قام بعضهم إلى بعض فأفضوا في ذكر الله والتفقه في دينه. وسُئل الإمام مالك عن النوم بعد صلاة الصبح فقال: غيره أحسن منه وليس بحرام. ووقت ما بعد صلاة الفجر كلُّه خير وبركة، وقد دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأمّته فيه بالخير والبركة، فقال صلّى الله عليه وسلّم: ''اللّهمّ بارك لأمّتي في بكورها''. لذا نجد أصحاب الحرف والمهن والتجارة يحرصون على اغتنام هذا الوقت الفضيل لما فيه من الخير والبركة، روى الترمذي عن صخر الغامدي أن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ''الله بارك لأمّتي في بكورها''. أمّا الفوائد الصحية الّتي يجنيها الإنسان بيقظة الفجر فهي كثيرة، منها: تكوّن نسبة غاز الأوزون في الجو عند الفجر وتقل تدريجيًا حتّى تضمحل عند طلوع الشمس، ولهذا الغاز تأثير مفيد للجهاز العصبي ومنشط للعمل الفكري والعضلي بحيث يجعل الإنسان عندما يستنشق نسيم الفجر الجميل المسمّى بريح الصبا يجد لذة ونشوة لا شبيه لها في أيّ ساعة من ساعات النهار أول الليل.