صرخات بالتهليل والتكبير فرحة بالوصول لأرض الوطن، تمتزج بالحزن والذعر والرهبة والترحم على أرواح الشهداء. هكذا كان حال 1122 مصري قدموا، يوم الجمعة، إلى مصر قادمين على متن السفينة ''جالبر'' التي استأجرتها قطر لنقل المصريين الفارين من نيران كتائب القذافي في مصراتة. ''الخبر'' كانت حاضرة في قلب ميناء الإسكندرية الذي استقبل السفينة في الساعة التاسعة إلا عشر دقائق مساء، لتنقل صورة الأوضاع في ليبيا. وعلى بوابة الميناء، تجمع المئات من الأهالي بمجرد علمهم بوصول مصريين من ليبيا، ليس أملا في وصول ذويهم، فهذا حلم بالنسبة لهم، ولكن لمجرد الاطمئنان عليهم أو سماع أخبار عنهم من قريب أو بعيد. وظل الركاب الذين صعدوا جميعا فوق سطح السفينة يهتفون وينددون بموقف السفارة والسفير المصري بطرابلس، وكذلك موقف الخارجية المصرية التي لم توفر لهم وسائل النقل، بينما كانت سجدة الشكر فوق رصيف الميناء هي أولي الخطوات التي قاموا بها مؤكدين أنهم ولدوا من جديد. ويروي حسن خضر، شاب في ال26 من عمره وكان يعمل في سرت، قائلا: ''الثوار يسيطرون على مصراتة إلا أنهم محاصرون من ثلاث جهات، وقوات القذافي تحاول أن تفرض عليهم حصارا قاسيا حتى الاستسلام. كما قاموا بضرب مخازن الأطعمة ومحطات الكهرباء والماء، ما جعل المنطقة معزولة عن الحياة''. ويتدخل على عبد الحميد، عامل في مصراتة، قائلا: ''إن القذافي وكتائبه لا يتركون شيئا إلا ويتم تدميره في مصراتة، حتى المساجد والمستشفيات''، ومنها مستشفيا الحكمة والهلال الأحمر. ويقول أحمد يسري، كان يعيش في مصراتة: ''حاولنا الهروب عن طريق سرت، وهناك قامت كتائب القذافي بأسر عدد منا، وقاموا بإنزالنا من الحافلات وقذفوا بنا أرضا وسرقوا أموالنا وكل شيء كان معنا وحتى الهواتف المحمولة، وظللنا يومين كاملين نائمين على الرمال الساخنة في الصباح والبرد القارس في الليل، ووجوهنا في الأرض مكبلين من الخلف، وكتائب القذافي من الأفارقة يضربوننا بالأحذية ومقدمات البنادق، ثم منعونا من دخول سرت، فعدنا مرة أخرى إلى مصراتة''. ووصف نصر أن ما يحدث في ليبيا بأنه إبادة جماعة للمصريين خاصة وللشعب الليبي عامة. وعن أبشع المناظر يقول: ''إن القتلى في الشوارع بالمئات ولا يمكنك التعرف على هويتهم لأنهم يصبحون أشلاء بفعل قوة صواريخ غراد التي يستخدمها القذافي في ضرب المدنيين''. وشكك محمد منير، طبيب مصري عائد من مصراتة، في أن هناك بعض الأسلحة المحرمة قانونيا يستخدمها القذافي ضد شعبه، مشيرا إلى أن الجثث بها تشوهات غريبة وأنه لا توجد جثة متكاملة بل إنها أشلاء. ويشير في حديثه إلى أنه من يحاول إنقاذ مصاب أو حمل جثة فإن مصيره القتل، وهناك المئات من الأشخاص الذين سقطوا لا للشيء إلا لأنهم حاولوا جمع الجثث. ويكمل مصطفى عطية قائلا: ''إن كتائب القذافي تقوم باغتصاب الفتيات في الشوارع العامة في طرابلس، وأن هناك مناطق بالكامل محبوسة بها نساء وأطفال، لا يصل إليها الماء أو الطعام، بعدها خرج آباؤهم بحثا عن الماء والطعام ولم يعودوا حيث يتم اختطافهم أو قتلهم في الشارع''. ويبدو أن المساومة على المصريين كانت من الطرفين، حيث أكد ذات المتحدث أن الثوار كانوا يعطون لأي فرد مصري أو تونسي أو إفريقي يضرب دبابة تابعة للقذافي مبلغ 1000 دينار، ويقول إن هناك شابا اسمه صالح عمره 24 عاما قام بضرب 10 دبابات وحصل على 10 آلاف دينار، ثم جاءته قذيفة قصمته إلى نصفين. وإلى جانب عمليات الإبادة، هناك عائلات ماتت داخل مساكنها، حيث كان الأفارقة يهجمون على البيوت في مصراتة ويقتلون من فيها، كما يقومون باغتصاب السيدات والبنات في وسط الميادين أمام أزواجهن وآبائهم، في ''حفل'' جنسي موسع، ثم يقتلون الرجال بالرصاص الحي. ويروي محمد الحسين عن أوضاع المخيمات داخل مصراتة قائلا: ''عشنا 45 يوما وكأنها دهر من الزمان، وكانت الساعة التي تمر نظن أننا لن نعيش بعدها، فليس هناك ماء بل كنا ننجز حفرا حتى وصلنا لبئر بها ماء، وكنا نشرب منه رغم خطورة ذلك على الصحة، وكان أفراد الصليب الأحمر والهلال الأحمر يأتوننا برغيف عيش يقسم على 3 أشخاص''. وأضاف حسين أن هناك العشرات من المصريين ''الذين تم اختطافهم عقب خروجهم من المخيمات لشراء الخبز ولا نعلم عنهم شيئا''. وعن تأخر المصريين في الوصول إلى مصر، حمّل العائدون السلطات المصرية مسؤولية ذلك، بالإضافة إلى أن هناك أكثر من 56 ألف ليبي كانوا يصعدون على ظهر السفن التي كانت تصل إلى ميناء مصراتة لحمل المصريين، سواء من قطر أو تركيا. وقال حسين إن أي شخص لا يمكنه الصعود إلى المركب إلا بعد دفع 200 جنيه، ومن لا يملك المال لا يصعد. وطالب المصريون العائدون المنظمات الدولية بالتدخل لنقل كافة الجاليات الموجودة في ميناء مصراتة.