كثر الحديث هذه الأيام، وتنوعت الحصص حول قرار الرئيس بوتفليقة برفع التجريم عن جنح الصحافة المقرر في قانون العقوبات المعدل في سنة 2001 في مادتيه 142 و142 مكرر، وتباينت المواقف بين من وصف هذه الخطوة بالتاريخية، معتبرا إياها بمثابة ميلاد ثان للصحافة الجزائرية، وبين من اعتبرها خطوة غير كافية لضمان وتأمين ممارسة حرية الصحافة وترقيتها، ولكل فريق حجته، لكن للحقيقة حجج أخرى لا يمكن القفز عليها ولا اختزالها. صحيح أن قضية إلغاء عقوبة حبس الصحفيين، كانت، ولا تزال في صميم انشغالات الأسرة الإعلامية، لكن الأصح أن هذا المطلب كان واحدا ضمن مطالب كثيرة طالما رفعها الصحفيون، وكان رد السلطة في تلك الفترة يأتي بالمزيد من التضييق والتضليل والابتزاز والتمييع. وأحسن مثال على ذلك إقدام السلطة في 2001 على تشديد العقوبات وتوسيعها لتشمل المؤسسة الإعلامية من خلال فرضها في القانون المعدل غرامات مالية تعجيزية. لذا فقرار رفع التجريم على الممارسة الإعلامية، وإذ يعتبر خطوة إيجابية، فإنه يذكرنا بالعفو الذي أصدره الرئيس لفائدة الصحفيين المحكوم عليهم في قضايا القذف، واتضح فيما بعد بأنه غير قابل للتطبيق، لسبب بسيط، وهو أن جل الأحكام لم تكن نهائية، ورغم هذه الحقيقة لم تتردد السلطة في الاستثمار داخليا وخارجيا في قرار الرئيس، وهو ما يحدث اليوم في قضية إلغاء عقوبة حبس الصحفيين، حيث أصبحت القضية بمثابة الشجرة التي تغطي الغابة، وكأن كل مشاكل الصحافة ستزول تلقائيا فور تعديل القانون سالف الذكر. إن اتخاذ قرار رفع التجريم عن جنح الصحافة في هذا الظرف بالذات، وإذ يعتبر خطوة يجب تثمينها، إلا أنه، وعلى المدى القريب، يخدم السلطة داخليا وخارجيا أكثر من أن يدعم مهنة الصحافة، التي هي في حاجة إلى قرارات أخرى، أكثر أهمية وارتباطا بحقيقة الممارسة الإعلامية اليومية، كالحق المقدس في الوصول إلى مصادر الخبر، وفتح المجال الإعلامي بكل أنواعه وأشكاله، وإلغاء احتكار السلطة للإشهار العمومي والمؤسساتي... إن أي حديث عن حرية حقيقية للصحافة خارج النقاط المذكورة، وهي الحد الأدنى الذي يجب أن يتوفر لممارسة مهنة المتاعب على أسس سليمة، ليس له معنى، حتى عندما تصبح قضايا الصحافة من اختصاص الغرف الإدارية، كما هو معمول به في جل الأنظمة الديمقراطية، أي يحق للضحية طلب التعويضات على الضرر، فإن حرية الصحافة لا يمكن أن تتحقق أبدا إلا بعدالة مستقلة... عندها يمكن القول إن الصحافة في الجزائر أصبحت محمية بقوة القانون، وليس بإرادة الأشخاص والتسيير الأمني لهامش حريتها. في الأخير أقول لزميلتي من التلفزيون، المبهرة بحرية الصحافة في الجزائر، وهي في بداية مشوارها المهني، إن وجودك في قناة تلفزيونية يتيمة، تفتح بقرار، وتغلق بقرار، أحسن دليل على أن حرية الصحافة في الجزائر ليست بخير، أما إذا كنت تقصدين بكلامك الصحافة المستقلة أو الخاصة، فأنصحك بالإطلاع على واقع الممارسة الإعلامية، في البلدان العربية الأخرى، وحينها ستكتشفين، لا محالة، أن الصحافة في الجزائر بعيدة عن أن تكون رائدة. [email protected]