تجميد تصدير النفايات الحديدية أدخلهم في بطالة وشجع التهريب برا لا يزال ملف النفايات الحديدية وغير الحديدية من بين الملفات الأكثر تعقيدا في الجزائر من جانبه التنظيمي الذي كانت هشاشته وفراغاته القانونية وراء فضائح تورط فيها جزائريون وأجانب ومسؤولين على مختلف المستويات ما دفع الحكومة لاعتماد حلول وإقرار حظر النشاط، ليتحول 40 ألف من ممارسي النشاط مصدرين ومسترجعين من رواد المزابل إلى قنبلة موقوتة بسبب بطالة أجبروا عليها دون بديل ما دفعهم لتنظيم أنفسهم بهدف كسر جدار الصمت والتحضير لإعلان ''ثورة المزابل من أجل القوت''. صدر أول تجميد لتصدير النفايات الحديدية وغير الحديدية سنة 1999 بعد انكشاف الفضيحة التي عرفت بخسارة الخزينة 3 آلاف مليار في ملف تصدير النفايات الحديدية وغير الحديدية، وهي قيمة عائدات التصدير بالعملة التي لم تحصلها الخزينة مثلما توصلت إليه تحقيقات اللجنة الرئاسية المشتركة وقتها حول التصريحات المزورة في القيمة والكمية والنوع والتهريب تحت غطاء التصدير للكوابل النحاسية المسروقة من المنشآت العمومية. وجرى الحديث وقتها عن تصدير غير قانوني لكميات من النحاس إلى إسرائيل، وكلها كانت عوامل عجلت باتخاذ الحكومة قرار الحظر الذي كان الحل الأوحد بشكل مؤقت بهدف إعادة تنظيم النشاط. وفي سنة 2000 تم رفع التجميد بعد فرض تقديم المصدر شهادة تثبت تحصيله للعملة الصعبة. وتواصل النشاط إلى غاية سنة 2002 ليتقرر مجددا تجميده بسبب ممارسات وخروقات ارتكبها مصدرون أجانب ومعظمهم مشارقة كانوا وراء فضائح تبييض الأموال تحت غطاء التصدير، إلى جانب تورط بعض المصدرين الجزائريين في ملفات مماثلة انتهت بمقاضاتهم وسجن بعضهم بمعية مسؤولين ثبت تورطهم على مستوى الجمارك. لم يدم الحظر طويلا، حيث بعد مرور سنة، أي في ,2003 تقرر رفع التجميد بعد فرض إجراءات رقابة أكثر صرامة لتفادي تكرار أخطاء الماضي، واستمر النشاط إلى غاية 2006 وهو التاريخ الذي تقرر فيه فرض الحظر مجددا بمبرر إعادة تنظيم النشاط من خلال وضع دفتر شروط ممارسة النشاط، وتم قبل ذلك عقد لقاءات ومشاورات مع ممثلي المصدرين لسن دفتر شروط بقدر ما يضمن عدم تكرار الخروقات، بقدر ما يسمح بممارسة النشاط لمحترفيه. وتقرر إسناد مهمة منح رخصة التصدير من طرف وزارة التجارة بعد أن كانت كل الصلاحيات من اختصاص الجمارك فقط. وسمحت التدابير الجديدة بتنظيم النشاط نسبيا مقارنة مع ما مضى، ليعاد فتح باب التصدير سنة 2007 والعمل بموجب دفتر الشروط الذي تمنحه مصالح وزارة التجارة على مستوى مديرياتها الولائية، حسب الملف المقدم الذي يتضمن شهادات تحصيل عائدات العملة ويحدد مسار الصادرات ووجهتها، ويتضمن أيضا رخصة لتصدير. وكانت الفترة الممتدة بين 2007 و2009 قد ميزها تراجع فضائح التهريب باستثناء تهريب الألمنيوم والنحاس على أساس أنه نفايات حديدية، وهي معادن مسروقة. ولم يختلف موقف الحكومة بعد وصول تقارير تؤكد أن كميات كبيرة من النحاس والألمنيوم تهرب على أساس أنها نفايات حديدية، حيث تقرر في فيفري 2009 تجميد تصدير النفايات غير الحديدية من نحاس وألمنيوم وترك باب التصدير مفتوحا أمام النفايات الحديدية خاصة بعد ارتفاع معدل سرقة النحاس والألمنيوم من ورشات المشاريع الكبرى. الأجانب أكبر المستفيدين من النشاط عند الحظر لكن وصول تقارير خطيرة حول تورط أجانب في تبييض الأموال عن طريق تصدير النفايات الحديدية من خلال شرائها بأسعار تفوق قيمتها في السوق العالمية، عجل بتعميم التجميد في أوت 2010 ليشمل حتى تصدير النفايات الحديدية، وهو قرار جاء بعد مخاوف الحكومة من تحول النشاط إلى جسر لغسل أموال مجهولة المصدر. لكن الحظر لم يمنع المصدرين الأجانب من اللجوء إلى طرق أخرى، حيث اهتدوا إلى تصدير النفايات بعد تحويلها إلى سبائك، وهو نشاط لم يتضمنه قرار الحظر. لكن الإشكال الذي وقع هو أن هؤلاء كانوا يصدرون تلك المعادن المسترجعة في شكل سبائك على أساس أنها نقية، في حين أنها مسترجعة من نفايات، فضلا عن أن القيم المصرح بها لدى الجمارك أقل من قيمتها الحقيقية في البورصة، على اعتبار أن النحاس والألمنيوم تتحدد أسعارهما كمعادن نقية في بورصة المعادن. وحملت وزارة التجارة مسؤولية حظر التصدير حسبما أبلغت به مسؤولي اللجنة الوطنية لمصدري النفايات الحديدية وغير الحديدية إلى الوزارة الأولى، ولم تجد في لقاءاتها معهم سوى تقديم توجيهات إلى حين اتخاذ الحكومة قرارها النهائي، ونصحتهم بالعمل محليا واسترجاع النفايات المعدنية في الجزائر وإنشاء مصانع تحويل، غير أن اقتراح الوزارة اصطدم بالإمكانيات المحدودة لمعظم المصدرين الجزائريين، فالأمر ليس متاحا لهم بقدر ما هو متاح للمليارديرات الأجانب ليستثمروا في مجال النفايات المعدنية سوءا كان التصدير أو الاسترجاع محليا. 40 ألف جزائري أمام مصير مجهول ومقابر بآلاف الأطنان من النفايات لا يزيد عدد المصدرين الأجانب عن 20 من إجمالي ممارسي النشاط يقدر ب60 مصدرا في الجزائر، لكن الإمكانيات المالية للأوائل جعلتهم يتفوقون ويتحكمون في النشاط بشكل جعلهم لم يتضرروا سواء خلال الحظر أو الترخيص بالتصدير، حيث أثبتت آخر التقارير الأمنية أن الأجانب خلال فترة الحظر يلجأون إلى التهريب برا واسترجاع النفايات الحديدية وغير الحديدية المهربة من الجزائر في مصانع بكل من تونس والمغرب، فنشاطهم لا يتوقف، ويبقى المتضرر الوحيد هم المصدرين الجزائريين، وما لا يقل عن 40 ألف من جامعي النفايات المعدنية وغير المعدنية من المزابل ومحطات التفريغ والورشات. هؤلاء ولأول مرة قرروا الخروج عن صمتهم بعد استنفادهم لكل طرق تحسيس القطاعات المعنية بوضعيتهم، لكن كانت أبواب وزارة التجارة موصدة حيث رفضت هذه الأخيرة لقائهم. هؤلاء وبالتعاون مع المصدرين الجزائريين قرروا رفع شعار ''ثورة المزابل من أجل القوت''، وأعلنوا شن حركة احتجاجية تأخذ أشكال عديدة ولاسيما بعد نفاد مدخراتهم، وهي أموال صرفوها على جمع النفايات المعدنية وتكديسها في مستودعات وفي أراضي خالية تحضيرا لبيعها. وأحصى هؤلاء ما لا يقل عن 50 ألف طن من الهياكل المعدنية التي سيكون تسويقها مصدر رزقهم الوحيد. ويشترك مع هؤلاء المسترجعين ما لا يقل عن 15 ألف عامل في مؤسسات الاسترجاع العمومية الثلاث بشرق ووسط وغرب البلاد. هؤلاء وجدوا أنفسهم في بطالة وخرجوا قبل أسابيع في اعتصام أمام المركزية النقابية مطالبين بتوضيحات حول مصيرهم.