لطالما كان شهر أوت عند الجزائريين الشهر المفضل لأخذ الإجازة السنوية، والفترة الأنسب لإحياء حفلات الزفاف. غير أن تزامنه هذه السنة مع شهر الصيام، أدخل المقبلين على ولوج القفص الذهبي في سباق مع الزمن لحجز قاعات الزفاف التي تشهد ضغطا رهيبا، فيما يقف من فوّتوا الحجز على التماس للحاق بأفراحهم في الوقت بدل الضائع. بعد أن طلّق الجزائريون أسطح العمارات لإحياء أفراحهم منذ أكثر من عقدين، سيعود الكثير منهم إليها مجبرين، وسيستعيدون ذكريات كراء ''الباش'' ولواحقه، بسبب تخلّفهم عن حجز قاعة الحفلات أشهرا قبل موعد الزفاف، وهي الحقيقة التي وقفنا عليها في جولة استطلاعية لبعض قاعات الحفلات بالعاصمة. ''الباش'' يستعيد مجده في صيف 2011 وقفتنا الأولى كانت بحي بلوزداد الشعبي، وتحديدا بقاعة الحفلات ''20 أوت ''55 التابعة لبلدية بلوزداد، حيث تأكدنا أن القاعة حجزت منذ شهر جانفي، ولا وجود لأي فراغ في رزنامة صاحبها. وهناك، التقينا بمحمد ابن حسين داي الذي سيحيي حفل زفافه في الأيام الأخيرة من شهر جويلية، ولم يوفق في إيجاد حجز قبل تلك الفترة، ليقول ''نبّهتني خطيبتي لأحجز القاعة قبل فترة من التاريخ الذي حدّدناه لعقد قراننا، لكنني لم أتوقع أنني سأمشط العاصمة للظفر بقاعة حفلات دون جدوى. وكانت هذه القاعة أملي الأخير، خاصة أن سعرها يتناسب وإمكانياتي، غير أنني فوجئت أن كل التواريخ محجوزة منذ بداية شهر جانفي. ولأنه لا مجال لتغيير تاريخ العرس لما بعد رمضان، مع عدم إمكانية كراء قاعة فخمة في فندق، لم يبق أمامي خيار إلا إحياء الحفل في البيت.. الباش ينادي'' يختم محمد كلامه ضاحكا. زغاريد في ليلة الشك.. وأخرى في ثالث أيام العيد تركنا حي بلوزداد الشعبي إلى حي القبة، حيث لم يختلف الأمر كثيرا هناك أيضا. فقاعة الحفلات التابعة للبلدية، والتي فتحت أبوابها مؤخرا بعد إعادة تهيئتها، حجزت كل تواريخها إلى ما بعد العيد، حيث تقفل أبوابها ليلة الشك لتعود إليها الزغاريد في ثالث أيام العيد، حيث أكدت لنا المشرفة على الحجز أنها تستقبل يوميا عائلات وعرسانا يطلبون حجز القاعة بأي ثمن، خاصة أنهم لم يجدوا ضالتهم في القاعات الخاصة التي أغلق العديد منها لأسباب مختلفة. والجديد أيضا في أعراس صيف 2011 أن طلب حجز القاعات في الليل أصبح موضة الجميع، بعد أن اقتصر في السنوات الأخيرة على العائلات الميسورة، أو فئة معيّنة تفضل أن تحيي ليلة العمر في جو مميز بحضور الجنسين. لكن السبب الرئيسي لهذا الإقبال هو محاولة منهم للظفر بالتاريخ الذي اختاروه، ولو ليلا، غير أن من قصد هذه القاعة عاد خائبا. تقول المسؤولة على الحجز ''القاعة تفتح صباحا وتقفل في تمام السابعة. ورغم تأكد الزبائن من هذه المعلومة، إلا أنهم يلحون علينا للموافقة على برمجتهم في الليل، رغم استحالة ذلك''. وغير بعيد عن هذه القاعة، توقفنا عند قاعة أخرى خاصة بنفس الحي. وهناك، التقينا بسيدة رفقة ابنتها تحاولان إقناع صاحب القاعة ببرمجتهم في الأسبوع الأول من شهر جويلية، فيما كان صاحب القاعة يؤكد أنه لا مكان شاغرا، فما كان من العروس إلا عرض زيادة بقيمة 5000 دينار مقابل برمجتها وإلغاء حجز آخر، وهو ما رفضه صاحب القاعة. استوقفنا العروس وهي تغادر القاعة والدموع في عينيها، وما إن بادرناها بالسؤال، حتى أجابت بانفعال ''تأجل حفل زفافي أكثر من أربع مرات لأسباب مختلفة، وأظن أنه سيؤجل للمرة الخامسة، وإلا اكتفيت بحفل ضيق في بيتنا المكون من ثلاث غرف.. فأغلب القاعات التي قصدتها محجوزة، والتي تتوفر بها تواريخ حجز شاغرة، لا تتوافق وإمكانياتي''. فيما أردفت والدتها: ''زمان، كنا نعزف عن إقامة الأفراح في شعبان. أما اليوم، راحت البركة، وليلة رمضان التي كنا نتفرغ فيها لاستقبال الشهر الفضيل، أصبحت الأكثر طلبا''. وفي حديثنا إلى مسيّر القاعة، أكد لنا أن هذا الموقف يتكرر معه كل يوم منذ بداية شهر ماي، مواصلا: ''بل هناك من ألحوا على برمجتهم في الليلة الموالية لليلة الشك، والتي يمكن أن تكون أول يوم في رمضان''. ولم يختلف الأمر كثيرا في حسن داي، براقي وعين النعجة، فختمنا جولتنا متأكدين من حقيقة واحدة، وهي أن أسطح العمارات ستستعيد مجد الأيام الخوالي في صيف 2011 و''الباش'' سيكون موضة هذه السنة.