من خلال سرد بعض وقائع حياتها التي مرّ عليها 7 عقود من الزمن، أكدت خالتي مليكة أن كل شيء تغير في رمضان، من عادات وتقاليد. فرمضان زمان كان مختلفا كليا، فقد كان أحلى، رغم أنه في وقتنا هذا وسائل الراحة متوفرة، إلا أننا كنا نصوم بابتهاج وسرور رفقة العائلة الكبيرة. فرغم أننا كنا نحصد خلال هذا الشهر وبطرق بدائية، مستخدمين المنجل واليدين فقط، ولا يحمينا من أشعة الشمس الحارقة سوى قبعة القش، إلا أننا لم نتذمر يوما. وعند عودتنا إلى المنزل، نقوم بعجن كسرة القمح والرغدة، وطهي الشوربة وبعض المأكولات التقليدية من حواضر البيت، فلا نسرف ولا نبذر، كما هو حاصل اليوم، لترمى في القمامة فيما بعد. لقد كنا نطهو ما نأكل ونهدي منه للجيران. فكل جارة تقوم بإهداء بعض ما طبخته لجيرانها، فتغتني كل مائدة بأنواع مختلفة من الأطعمة، ويأكل الجميع نفس الأطباق، فلا فرق بين غني أو فقير. وتستطرد الخالة مليكة حكايتها بالحديث عن جلسات السهر في رمضان، وتومئ برأسها متسائلة أين هي جلسات زمان؟ اليوم، كل واحد يغلق باب منزله على نفسه، ولا يدري إن فطر جاره أم لا؟ أما زمان وفي جلسات السهرة، يلتف الجميع حول مائدة السهرة التي فيها بعض الحلويات المنزلية التقليدية البسيطة والشاي ومصباح الغاز، جالسين فوق حصير، وكل واحد يحكي حكاية أو نكتة أو لغزا أو بوقالة، وكنا نمضي ليلة ولا ألف ليلة وليلة.