أفاد الشيخ محمد المهدي جاب الله، عضو المجلس العلمي بمديرية الشؤون الدينية لولاية فالمة، في جلسة خص بها ''الخبر''، أنّ الفقه والحياة لا انفصام لهما، كلاهما تتمّة للآخر، وأن أكثر مشكلاتنا ونزاعاتنا اليوم مردّها غياب الفقه في حياة المتنازعين، وهذا ما يتوجّب على النّاس أن يعودوا إلى أحكام الشّرع حتّى يرتاحوا، ويعرف كلّ طرف حقّه من واجباته. هل أهداف المجلس العلمي هي كما يراها النّاس مجتمعة في عنصر الإفتاء فحسب؟ يقوم المجلس العلمي بالعديد من الأدوار منها بيان الحكم الشّرعي في المسائل الّتي يعرضها المواطنون مع التزام المذهب المالكي الّذي يخص الغرب الإفريقي ككلّ، كما يمكن الرجوع إلى المذاهب السنية الأخرى في القضايا غير المنصوص عليها، إضافة إلى العمل على توحيد الجماعة الإسلامية، سواء في الفتوى الفقهية أو العقيدة. كما يقوم المجلس بإعداد دراسات تبيّن تصوّر الإسلام ونظرته للقضايا المستجدة، باستثمار وسائل الإعلام والمراكز الثّقافية في نشر الثّقافة والفكر الإسلاميين، ومعالجة المشكلات القائمة، وهذا يتم على المستوى المركزي من خلال اجتماع سنوي يعنى بهذه القضايا. كما يسهم المجلس في إحياء التراث الإسلامي، ونشره والعناية بالمكتبات الأثرية وبالمحفوظات الموجودة محلياً، وهذا ما يبرز الدور الشُّمولي للمجلس في جانبه التّطبيقي. ما الرابط بين حياة النّاس والفقه في الدّين؟ الفقه والحياة لا يمكن الفصل بينهما، غير أنّ الواقع يجانب هذه الحقيقة، وهذا ما كان سبباً في تحقيق الفرقة وتشرذم النّاس اليوم، وذلك ناجم أساساً عن عدم رجوعهم لأحكام الشّرع الّتي تتيح لهم حلولاً مُيَسَّرة يمكنها أن تجنّبهم كلّ النِّزاعات الحاصلة، وهذا ما يسبغ على القائم بالصُّلح من الجانب الشّرعي القيمة الربّانية، لأنّه يوقع بين النّاس عن الله سبحانه وتعالى وفقاً لتعاليمه وما خوّلَه له، وهذا لتجنّب قطيعة الرحم المستشرية في مجتمعنا، والّتي تحصل نتيجة إفتاءات فردية وذكّتها الفرقة والعداوة، مع غياب استثارة الجانب الروحي الإيماني ووصلهم بالله، والتّركيز على تحصيل الحقوق المادية فحسب. هل يمكن أن توضّح الدور التطبيقي للمجلس العلمي أكثر؟ ينبثق عن المجلس العلمي، مجلس الصلح، الّذي يعني بالبت في القضايا الّتي عرضت على المحاكم، وهنا أُريد أن ألتفت الانتباه إلى أنّ المجلس، في مرّات كثيرة، قام بالفصل في قضايا قبل وصولها للمحاكم وبالتّراضي، سواء كانت في شقّ الأحوال الشّخصية أو الجنايات، وهذا ما يعزِّز أهمية ''المرجع الديني'' من خلال مجالس الصُّلح وقدرتها على فضّ النِّزاعات وتحقيق الصُّلح بين المتخاصمين. وما يستحق الذِّكر في هذا المقام أنّ الشعب الجزائري له قابلية السماع أو الاحتكام لأوامر الله وهدي الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، ولذلك يعمد المجلس إلى تدارك القضايا بِحلِّها في مهدها قبل أن تتفاقم ويقوم بطي ملفاتها، أيضاً تنظيم ندوات وحلقات دراسية في مواضيع مختلفة لها صلة بواقع النّاس، وتعليم مناسك الحج وبكلّ تلك الأجواء الروحانية. وكيف يتم معالجة بعض القضايا الحسّاسة على مستوى المجلس، كالمتصلة بالأحوال الشّخصية وظواهر أخرى عمّت المجتمع؟ يشارك في تقديم الفتاوى والمشورة لجموع المواطنين أعضاء المجلس بالتناوب، كما تمّ دعم المجلس بالمرشدات الدينيات وهنّ برتبة ''إمام أستاذ''، حيث يسهمن في حلّ مشكلات النِّساء ممّن يجدن حرجاً في الإفصاح عنها لأعضاء المجلس، وتتنوّع القضايا الّتي يفتى فيها، كقضايا الطلاق، والميراث حيث يقدّم المجلس للمتنازعين حول التركة بياناً مفصّلاً وفقاً للشرع، وسواء كانت القضايا حديثة أو سارية عبر الزمن، فقد بتّ المجلس في عدد منها، كما يقوم بتوجيههم إلى تثبيت حقوقهم وفقاً للطريقة النِّظامية المعمول بها قانوناً حتّى لا تهدر الحقوق، ويحرص في هذا الجانب على أن يقوم بفضّ نزاعات الميراث في حينها. كما تناول المجلس قضايا راهنة منها المخدرات حيث تمّ جمع أئمة بمختصين، خاصة وأنّ الكثير من المتعاطين لهذه السموم يلجأون للإمام حتّى يرشدهم لمعالجة الإدمان، وذلك بالتنسيق مع جمعية الصفاء المتخصّصة لرعاية هذه الفئة، مع الاحتفاظ بدور الإمام الّذي يدلّهم إلى الجانب الرُّوحي الّذي يتسبّب ضعفه في الانزلاق نحوها.