في الثامن من شهر مارس الماضي، شاءت الصدف أن ألتقي بملك الأغنية الرايوية الشاب خالد، في أحد فنادق الجزائر العاصمة، حيث اتصل بي الفنان رضا سيكا ليخبرني بأن ''الكينغ'' أراد لقائي وتجاذب أطراف الحديث وإياي، وهو ما أصابني بالارتباك. فخالجني شعور غريب لم أعرف له عنوانا، وولجت دوامة من الأفكار المتناثرة والمتبعثرة، حاولت جمع شتاتها، ومرد ذلك أنني شاعر في حي شعبي بسيط، أما الشاب خالد، فهو ''كينغ'' أغنية الراي، معروف في الساحة الفنية العالمية، فشتان بين الأمرين. راودتني العديد من التساؤلات حتى قبل أن أذهب إليه، وفُتحت أبواب الاستفهام على مصراعيها، أردت أن أعرف مراده قبل أن أصل إليه، فماذا يريد الشاب خالد من صاحب قلم متواضع؟ وما الذي يمكن أن يجمع ما بيننا؟ وبمجرد وصولي إلى الفندق الذي كان خالد متواجدا به رفقة محمد روان ورضا سيكا، تقدمت لمصافحتهم وإلقاء التحية، فحاول الأخيرين تلطيف الجو والتذليل من ارتباكي، وتقديمي للشاب خالد الذي لم تفارق ابتسامته المعهودة ثغره، حيث قال لي ''مالك صاحبي رانا خوات''، فأراحني موقفه، ودبت الحياة في عروقي من جديد. قصّ علي الشاب خالد حكاياته مع العاصمة وأحيائها الشعبية العتيقة، فصال وجال بين جامع ليهود، وتوجه صوب الأبيار، وتوقف عند بعض الأحياء التي شهدت بداية مشواره الفني، وكانت زوجته تحدثني عن حبها للشعر، وعن تلك المحاولات التي قامت بها في الكتابات الشعرية. وفي ذلك الحين، أدركت بساطة هذا الفنان وتواضعه وخفة دمه، كما سمحت لي تلك المقابلة بإدراك عقدة الخجل التي تدور بداخلي، والتي منعتني من القيام بعدة أشياء كنت أستطيع النجاح فيها. وبعد حديث طويل، طلب الشاب خالد أن نبقى لوحدنا للدخول في الموضوع الذي طلبني من أجله، فروى لي قصة شقيقه الذي مات غرقا في البحر، ولم يُعثر على جثته إلا بعد وقت طويل، وهي القصة التي أثرت كثيرا في نفسي، بعد أن أحسست بنبرة خالد الحزينة التي نقلت لي معاناة عائلته الكبيرة، وآلامها وآهاتها، وما زاد في تأثري قول خالد ''تعوّد شقيقي على زيارة البحر رفقة والدنا، في مكان غير بعيد عن موقع الحادثة، فظل الأخير يتردد على المكان بانتظام، داعيا البحر أن يرد له فلذة كبده، فشاءت الأقدار بعد مرور زمن طويل أن يتم العثور على جثة المرحوم عالقة بين الصخور التي كان يقصدها أبي، الذي لم تجف عيناه لحد الساعة من الدموع، للصيد''. لفت انتباهي وأنا أستمع لحديث الشاب خالد أنه كان يسرد علي تفاصيل القصة بأحاسيسه المرهفة، وكأنها واقعة حديثة، وتجاوبت بدوري معه، وتأثرت بها لما تحمله من تفاصيل مأساوية، ليزداد خالد كبرا في نظري، فهو لا زال يحمل ذكرى شقيقه الذي فقده منذ مدة طويلة، وحلمه أن يغني يوما أغنية يرثيه فيها، ولست أدري إن كانت لي القدرة على كتابة أبيات تليق بالمقام، ولكني أدركت أن الشرف كان لي عندما اختارني الشاب خالد ليقاسمني ألمه وحزنه وذكرياته، فتحياتي للشاب خالد وزوجته المتواضعة.. تحياتي لابن الحمري الذي لم ينس أنه ابن الجزائر الذي تفتخر بأعماله الفنية.. شكرا لك على ابتسامتك وتشجيعك لي، شكرا يا ''وليد'' الباهية، من عند ''وليد'' القصبة، ورحمة الله على شقيقك.