الانفتاح عبر المزيد من الغلق. هكذا يمكن فهم ''الإصلاحات'' التي تطبخ في قمة هرم السلطة في بلادنا. ففي الوقت الذي كان المواطن ينتظر نوعا من التنفيس والتحرر من الضيق المضروب عليه منذ عشريتين، يجد نفسه مرة أخرى أمام محاولات حثيثة لتشديد الخناق عليه في مجالات حرية الرأي والممارسة السياسية. والتسريبات، المبرمجة، لمحتوى مختلف ملفات ''الإصلاح'' تبين للوهلة الأولى حرص السلطة على المزيد من الغلق. وما التنقيحات التي أدخلتها على قانون الإعلام إلا دليل واضح على النوايا الخفية للسلطة التي تبحث كل الطرق التي تزيدها قوة في الهيمنة وكبح تطلعات المواطن للديمقراطية. الأمر ليس غريبا ولم نكن ننتظر أكثر مما سيكون، لأن حكامنا يحملون برامجهم السياسية على وجوههم، فلم نكن ننتظر، مثلا، من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أن يكون ديمقراطيا في إصلاحاته لأنه أغلق، منذ توليه الحكم، كل المنافذ التي تؤدي إلى المزيد من الحرية. وقد وصلنا إلى الاقتناع بأن تلك هي قناعاته الراسخة فكيف نطالبه اليوم بأن يتغير. ونفس الانطباع يصدق على الوزير الأول السيد أحمد أويحيى، الذي ترعرع في أروقة الحزب الواحد ولم يخف أبدا ميوله إلى بسط الرقابة والغلق على كل مبادرة في اتجاه الانفتاح سواء السياسية منها أم الاقتصادية، فكيف ننتظر منه اليوم أن يتحول إلى رجل ذي نزعة ديمقراطية وأن يكون رحيما في بلورته ملفات الإصلاح. وحتى تكتمل الصورة لابد أن يعرف المواطن أن البرلمان الذي من المفروض أن يكون طليعة الإصلاح المستقبلي في البلاد، يجزم الكثيرون بأنه لن يكون له أي دور في توجيه ملفات الإصلاحات التي ستمر كما تأتي من الجهاز التنفيذي ولن يتغير فيها قيد أنملة. ومما سبق ننتهي إلى خلاصة واحدة أنه ما لم تكن هناك انتخابات رئاسية مسبقة ثم انتخاب مجلس تأسيسي، لن نصل إلى إصلاحات جدية تضع الجزائر في مستوى ما تتطلبه المرحلة الراهنة التي تشهد فيها المنطقة العربية مخاضا لم تشهده عبر مسار تاريخها.