انحنت ظهورهم ووهنت سواعدهم وساهموا بفضل شقائهم ومعاناتهم في تفعيل النشاط الاقتصادي بالموانئ الجزائرية حتى قيل عنهم أنهم ''نواة الميناء''. ومع ذلك، فإنهم اجتماعيا رمز للفقر والبؤس. إنهم ''الدواكرة'' الذين عشقتهم البواخر وأهملتهم شركات ووزارات وحكومات متعاقبة منذ الاستقلال.
يزاحمون الرافعات وآلات النقل في الميناء عمل شاق مقابل أجرة لا تتعدى 750 دينار يوميا ارتبط اسم ''دوكار'' على مستوى القطر الجزائري وبخاصة في المدن الساحلية التي تحتضن موانئ تجارية بالميناء والباخرة دون غيرهم، حيث أن ''الحمّال'' مثلا متواجد في كل مكان، كما أصبح مدلول هذا اللفظ المرادف لعامل مهني مينائي يومي يعني الفقر والحرمان، لأن ما دفع بكثير من الشباب والكهول على مر السنين سواء في الحقبة الاستعمارية أو الفترة ما بعد الاستقلال يستيقظون يوميا من النوم مع الفجر ليتوجهوا إلى الميناء القريب من سكناهم من أجل الظفر بعمل شاق جدا ينهكهم ويجهد قواهم في عملية شحن أو تفريغ البواخر من الحمولات الثقيلة التي حملوها على ظهورهم وأكتافهم، هو الحرمان وانعدام مصادر الرزق الأقل عسرا ومرارة. وتحصي الموانئ الجزائرية اليوم حوالي 800 ''دوكار'' من بين 15 ألف عامل عبر الموانئ الجزائرية، وهذا الرقم يخص الذين استفادوا من عقود دائمة أو جزئية، في وقت لا يمكن فيه تحديد عدد ''الدواكرة'' اليوميين الذين يترقبون صباح كل يوم قدوم البواخر التي تقلص نشاطها بعد الأزمة المالية العالمية، لطلب الشغل مهما كان متعبا ومنهكا. ومهما يكن فكلهم يشتركون في نفس المهنة التي لا يجنون من ورائها إلا التعب وقلة الراحة حتى ولو أن الظروف الاجتماعية تحسنت بالنسبة للدواكرة الدائمين في بعض الموانئ مقارنة بالماضي، على عكس المتعاقدين جزئيا، الذين لا زالوا يعانون من ناحية التوظيف غير الدائم والأجر الذي لا يتناسب ما يقدمونه من أعمال متعبة رغم وجود رافعات وآلات نقل الحمولات التي حلت محل الأكتاف، وغيرهم اليوميين الذين يترقبون الاستفادة من عقود جزئية، على الأقل. ومن خلال حديثنا مع ممارسين قدامى لمهنة ''الدوكار'' ومتقاعدين، تأكد أن هذه الشريحة العمالية ذاقت الويلات وقهرتها المحن في ظل قيامها بنشاطات مرهقة في الموانئ البحرية مقابل أجور يومية زهيدة تتراوح ما بين 50 و150 دينار، قبل أن ترتفع بعد نضالات نقابية إلى 750 دينار حسب كل ميناء، ويتجلى ذلك في نوعية الخدمات التي كانوا يقومون بها سنوات السبعينيات والثمانينيات أين كانوا تابعين لشركة ''سوناما'' التي لم توفر لهم حماية مهنية أو اجتماعية. وقتما كانوا يجهزون على أنفسهم كالعبيد من خلال حمل أكياس ثقيلة أحنت ظهروهم، وذلك قبل انضمام بعضهم إلى المؤسسات المينائية بعد إنشائها أين حظوا بنفس حقوق باقي العمال رغم المتاعب المهنية.
الحركة النقابية منحتهم الحماية العقود الجزئية ألغت العمل اليومي ل ''الدوكار'' بعد اتفاق بين وزارة العمل وشركة تسيير الموانئ ''سوجيبور'' والاتحاد العام للعمال الجزائريين، تمت صياغة عقود جزئية لصالح فئة ''الدواكرة'' لتعويض العمل اليومي الذي جعلهم يتجمعون يوميا أمام مداخل الموانئ ترقبا لضمان شغل مؤقت يقبض من خلاله 750 دينار، مع ضمان أجر أدنى، من خلال فترة عمل متواصلة مدتها 13 يوما. وهذا حل رآه سي موسى عز الدين عضو فدرالية عمال الموانئ مؤقتا في انتظار نتائج أحسن مستقبلا. وموازاة مع ذلك، فإن مهنة ''دوكار'' صارت تخصصا وقلّ تعبها وشقاؤها وأصبح العامل اليدوي لا يتعب إلا قليلا بسبب ربط الحبال أو الكوابل في الصناديق أو الحاويات وبقائه واقفا لمدة طويلة، وذلك منذ أن تطورت وسائل الشحن والتفريغ على مستوى البواخر والموانئ التي قضت على الحمل فوق ظهور البشر. إضافة إلى ذلك، فإنه يتلقى تكوينا ميدانيا مهنيا وتوعويا يتماشى والمقاييس الدولية في ظل العولمة وما تفرضه اقتصاديات السوق التي تستوجب الحركة السريعة في التنفيذ أثناء عمليات الشحن والتفريغ. وما هو ملاحظ في الموانئ أن ''الدواكرة'' اندمجوا في الحركة النقابية من أجل الدفاع عن حقوقهم من الدائمين والمتعاقدين الجزئيين، وذلك بعدما وُجدت في وقت مضى نقابة خاصة بهم زعزعت الموانئ في أكثر من مناسبة. ما ينم عن وعي هذه الفئة البسيطة التي فهمت كيف تدافع عن مصلحتها ومصلحة مؤسساتها المينائية، من خلال نضال مشترك داخل فدرالية عمال الموانئ.
شاهد من أهلها سي يوسف عز الدين عضو فدرالية عمال الموانئ وجوب إصدار قانون خاص بفئة ''الدواكرة'' أوضح عضو الفدرالية الوطنية لعمال الموانئ، سي يوسف عز الدين في حديثه ل ''الخبر''، أن ''الدواكرة'' الذين صاروا يلقبون اليوم بالعمال اليدويين اليوميين، بحاجة إلى قانون خاص يحدد حقوقهم وواجباتهم، على غرار شرائح عمالية بسيطة في قطاعات أخرى خاصة وأنهم الفئة التي عانت من التهميش و''الحفرة'' لمدة زمنية طويلة، بالإضافة إلى العمل الشاق الذي يقومون به عبر مختلف الموانئ الجزائرية. هل يمكن وصف حجم المعاناة ؟ بالضرورة يجب الحديث عن هذا الجانب، فقبل سنة 2008 عانى ''الدوكار'' على مدى سنوات من البؤس والشقاء من فرط ما كان يواجهه وهو يقوم بأشغال شحن وتفريغ البواخر بالموانئ الجزائرية في ظروف مهنية صعبة تدوم لساعات يوميا، وعاش طيلة هذه الفترة مهمشا ومحروما من حقوقه الاجتماعية، بحيث لا أجر يكفيه شر متاعب الحياة ولا منح عائلية ولا تعويض عن الأدوية، حتى التعويضات في حال تعرضه لحادث عمل لم يكن يستفيد منها، وهناك من مات أثناء قيامه بمهامه ولم يتم تعويض عائلته وأولاده عن وفاته. وماذا عن وضعية العامل اليدوي حاليا؟ فيما تعلق بالشق الاجتماعي، فإنه بعد شكاوى عائلات ضحايا حوادث العمل تم الاتفاق بين النقابيين والهيئات المقرِّرة على إنشاء عقود جزئية تضمن له نفس حقوق عمال الموانئ ويستفيد من حق التقاعد أيضا. لكن من الناحية المهنية، فإنه وبالرغم من تطوير وسائل الشحن والتفريغ التي خففت الحمل عن كاهله إلا أن ذلك لا يمنع من أنه يعاني من التعب والمشقة ولو بشكل أخف من الماضي، لأن مهام ''الدوكار'' شاقة جسديا ونفسيا. ماذا فعلت النقابة لحماية هؤلاء البؤساء؟ منذ تأسيسها عقدت الفدرالية الوطنية لعمال الموانئ 5 لقاءات لمناقشة آليات التسيير وتحسيس العمال بتأثيرات العولمة، وكان لديها وعي بوجوب الاهتمام بشريحة ''الدواكرة'' من خلال الدفاع عن حقهم في التوظيف وتحسين ظروف عملهم مهنيا واجتماعيا، بالإضافة إلى تكوينهم في العمل والاتصال والأمن والنظافة حسب المقاييس الجديدة، وبعد نضال طويل تم جلب عقود جزئية لهم تتجدد كل 3 أشهر، وهذا كمرحلة أولى في انتظار المطالبة بعقود دائمة مع إصدار قانون خاص بفئتهم.
بورتري وجداوي عبد القادر ''دوكار'' بميناء أرزيو ''قمنا بأعمال شاقة مقابل 50 دينارا في اليوم'' يصف وجداوي عبد القادر الذي ناهز عمره 43 سنة وله 22 سنة من الخبرة كعامل مهني مينائي ''دوكار'' بميناء أرزيو، عمل فيها إلى جانب العديد ممن تورمت أياديهم من شدة حمل الأثقال وعانوا الأمرين في ميناء كان الاعتماد فيه، في عملية شحن البواخر وتفريغها على السواعد فقط، حجم المعاناة التي واجهها طيلة سنوات من الشقاء، إذ يقول أنه في بداية حياته المهنية كان عمل ''الدوكار'' يوميا يبدأ من الساعة السابعة صباحا إلى الواحدة بعد الزوال، وحينها كانت نشاطات الميناء أصعب من الوقت الحالي، ''حيث كنا نفرغ البواخر من الحبوب الجافة والبن والبطاطا وحديد البناء بكل أنواعه وبالمقابل نشحن الأسمدة التي كانت تصدر للخارج وذلك اعتمادا على الأيادي التي كانت تتورم جراء الحمولات الثقيلة وبسبب الأسمدة المؤثرة على الجلد''. علما أن توافد البواخر لميناء أرزيو كان بدون انقطاع في ظل غياب وسائل متطورة للشحن والتفريغ. ويقول عبد القادر وجداوي أنه أمام الحمولات التي كسرت ظهورهم وقهرت سواعدهم، فإنهم كانوا يتقاضون 50 دينارا مقابل 6 ساعات من الشقاء في اليوم. وذلك إلى غاية إبرام الاتفاقية بين النقابة والإدارة التي رفعت هذه القيمة إلى 750 دينارا في اليوم. ولم ينكر المتحدث أنه بعد سنوات التسعينيات تطورت وسائل الشحن والتفريغ وتحول كثير من ''الدواكرة'' إلى سائقي رافعات وآلات حمل البضائع الثقيلة، مما أراح العاملين اليدويين قليلا مقارنة مع من قاموا بأشغال شاقة سنوات قبل ذلك. كما اعترف أن وضعية ''الدوكار'' اليوم ليست كما كانت في السابق، خاصة بعد خلق العقود الجزئية التي ضمنت لهم الحقوق المفقودة سابقا.
تكوين ''الدوكار'' يتلقى أصحاب الحرفة المهنية المينائية الدائمون والمتعاقدون جزئيا تكوينا تحسيسيا على مستوى معهد متخصص حول الأمن والوقاية من حوادث العمل، وكيفية استعمال البذلة الخاصة والخودة والحذاء الأمني والقفازات أثناء قيامهم بمهامهم، فضلا عن تلقينهم كيفية التعامل أثناء عمليات الشحن والتفريغ وبخاصة عندما يتعلق الأمر بعتاد ثقيل وتعليمهم كيف يتجنبون كل ما هو متصل بالكهرباء. شروط التوظيف * مستوى التعليم المتوسط فما فوق * السن لا يقل عن 25 سنة * البنية المورفولوجية مطلوبة * الصحة الجيدة والنظر السليم * صاحب الطلب غير مسبوق قضائيا * أن يكون السكن قريب من الميناءئ؟