القصة حقيقية، وأبطالها أحياء يرزقون، ولا ينتظرون سوى يد ممدودة بالخير والعون، تنتشلهم من براثن الفقر المدقع، وتخرجهم من ظلمة مأساة عمرها 20 سنة، بسبب معاناة أبناء معاقين. المقصد مشتة سليانة، على التماس مع الحزام الحدودي في ولاية الطارف.. فيها تعيش عائلة ليست كباقي العائلات، وإن اشتركت معاناتها مع غيرها من العائلات في نقاط أخرى من البلاد.. خلاصة المشكلة حرمان ما بعده حرمان، من أبسط حقوق الإنسان. فقدت السيدة حورية خروب (أرملة) الأمل في رؤية مصيرها يتغير، مع ابنيها المعاقين بنسبة 100 بالمائة. هشام رفيف، 19 سنة، وشقيقه الأصغر جمال، 16 سنة. تقول السيدة المكلومة: ''أنا فقيرة وعاجزة عن تقديم أي شيء لأبنائي.. أغرق في بحر عميق من الحيرة والتشاؤم، حتى أنني أصبحت لا أنتظر أي شيء يفرحني وأبنائي، فقط شيء واحد لا يخيفني حين وقوعه، أن يلتحق جمال وهشام بشقيقهما ناجي الذي توفي قبل شهر عن عمر ناهز 21 سنة''. ''الخبر'' التي انتقلت إلى منزل السيدة الحائرة لم يكن بوسعها نقل الصورة الواقعية كما هي، فالكلمات لا تستطيع وصف ما هو موجود.. أجساد نحيفة وشبه ميتة، لا حركة فيها، بل هي جثث هامدة ملقاة أرضا على مدار 24 ساعة فوق الفراش.. فقط الجلد يكسو العظام.. وأنت داخل ما قد يشبه بيتا من قصدير، لا تسمع إلا همس حركتهما، فلا كلام ولا أحد يسمعك. ما يحز في نفس الأم حورية، التي فقدت زوجها قبل 12 شهرا، هو المأساة التي ورثتها مرغمة، بسبب الفقر المدقع الذي كان يعيش في كنفه زوجها المتعفف عن سؤال الناس.. وردا على سؤال حول مصدر رزقها وابنيها المعاقين، تقول السيدة حورية: ''نعيش على صدقات المحسنين التي تذهب لسد أبسط الاحتياجات، مجرد حفاظات لجمال وهشام''، مضيفة أن حدة مأساتها تزداد بفعل المسكن الذي هو عبارة عن كوخ قصديري، يتحوّل إلى فرن في الصيف وثلاجة في الشتاء. ماذا تريد السيدة حورية وابنيها؟ الجواب كما جاء على لسانها: ''لا أملك من وثائق الهوية إلا الدفتر العائلي، وأنا عاجزة عن عرض أبنائي على المصالح الاجتماعية بالبلدية ومديرية النشاط الاجتماعي''. قلوب قاسية وعلى الرغم من عمر مأساة هذه الأسرة المنكوبة اجتماعيا، إن لم تكن مقصية اجتماعيا وصحيا لأكثر من 16 سنة، فإن الجميع هنا يسمعون بها لكنهم لا يتحرّكون. فقد تعاقب العشرات من المسؤولين على بلدية بوحجار التي تتبع إليها المشتة، وتناهى إلى أسماع مسؤولي مديرية النشاط الاجتماعي وحتى الولاة والمنتخبين في المجالس المحلية والبرلمان، لكن لا أحد منهم أدى عليه ما من واجبات تجاه هذه الأسرة. لم يكن رب هذه الأسرة إرهابيا أو سارقا أو منحرفا اجتماعيا، وإنما مواطنا بسيطا يصارع الفقر المدقع، قبل أن يورثه لزوجته بعد رحيله عن الدنيا قبل سنة. وبسبب الفاقة، لم يكن بوسعهما مجرد التنقل من أجل البحث عن رعاية صحية لأبنائهما، والتي أقلها التسجيل لدى مصالح النشاط الاجتماعي من أجل الحصول على بطاقة العجز، التي تفتح لهما الباب للحصول على منحة شهرية هزيلة، بالكاد تكفي لتسديد ثمن الحفاظات. وعن هذه الحالة المأساوية، يقول جيران هذه الأسرة في مشتة سليانة بأن المسؤولين المحليين لا يسألون عن مثل هذه الحالات الاجتماعية المتردية، بقدر ما يأتون لتسوّل أصواتهم في الحملات الانتخابية، كما هو الشأن للمسؤولين التنفيذيين الذين يزورون المشاتي الحدودية بحثا عن جمع العسل وزيت الزيتون والزبدة واللبن والحليب.. ولا يسألون عن معاناة بني جلدتهم. رئيس البلدية ''نتكفل بالأسرة اجتماعيا'' في اتصال مع ''الخبر''، ذكر رئيس بلدية بوحجار بأن أفراد هذه الأسرة، خاصة المعاقين منهم، متكفل بهم اجتماعيا، حيث سيستفيدون شهريا من منحة مالية تقدر ب4 آلاف دينار زائد الاشتراك في الضمان الاجتماعي. وردا على سؤال حول تجاهل مصالح البلدية لطلب الأسرة مساعدتها في الحصول على تمويل مسكن ريفي يعوّض الكوخ القصديري، قال ذات المسؤول بأن ذلك مبرمج في الدفعات القادمة. مديرية النشاط الاجتماعي ''سوّينا وضعية الأسرة في 2009'' ذكرت مديرية النشاط الاجتماعي بالطارف، أن مصالحها شرعت في التكفل بانشغالات أسرة السيدة حورية منذ ثلاث سنوات فقط، علما بأن المعاناة عمرها 20 سنة. وأشار مسؤولون بالمديرية إلى أن الأبناء المعاقين يستفيدون من تغطية الضمان الاجتماعي ومنحة شهرية.