رغم مرور قرابة عشرة أعوام على دفنها، لا يزال لغز جثة فتاة بومرداس التي تبيّن أن صاحبتها حية ترزق محيّرا، خاصة بعد أن طوت محكمة الجنايات أوراق الملف ووجهت أصابع الاتهام إلى شرطي وأربعة من شركائه. لكن تصريح والد الضحية المزعومة أمام المحكمة أعاد خلط الأوراق، كون ابنته لاتزال على قيد الحياة ومتزوجة وتقيم في مدينة بغرب البلاد. تعود حيثيات القضية إلى 30 جوان 2002، حينما تقدم إلى مصالح الأمن والد الضحية القاصر التي كانت وقتها تبلغ 17 سنة من العمر، للإبلاغ عن مغادرة ابنته المنزل العائلي. وفي نفس الوقت، تلقى المعني بالبلاغ مكالمة هاتفية، مفادها أنه تم العثور على جثة محروقة داخل قنوات الصرف الصحي بمنعرج الصغيرات، على مستوى الطريق الرابط بين بلديتي زموري وبومرداس. وبعد عرض الضحية على الوالد، لم يستطع التعرف عليها لأنها كانت متفحمة عن آخرها، حيث ثبت بعد تشريح الجثة أنها تبلغ من العمر ما بين 16 و17 سنة، وهي حامل في شهرها الرابع، وأن سبب الوفاة يرجع إلى ضيق في التنفس بسبب شربها مادة منومة. كما توصلت مصالح الأمن، خلال التحقيق في خبايا القضية، إلى أن الضحية شوهدت برفقة صديقة لها تدعى ''العنابية''، هذه الأخيرة التي تعرفت على الضحية من خلال صورها وصرحت أنها عايشت ظروف وفاتها خطوة بخطوة، حيث ذكرت بأنها قضت ليلة مع الضحية ورفيقتيها داخل قبو عمارة بحي 800 مسكن ببومرداس، وعلى الساعة العاشرة ليلا، التحق بهم ثلاثة أشخاص حاملين مشروبات كحولية وحبوبا مهلوسة للتسامر معهن ليلا. لكن الضحية القاصر رفضت مشاركتهم الشرب، فقام المتهم الرئيسي بإشهار سلاحه حتى يخيفها بحكم مهنته كشرطي، ثم همّ بإفراغ قارورة زجاجية تحتوي على مادة منومة داخل كأس مشروب غازي. ولما رفضت شربه، استعان بشخص ثان الذي كبل يديها إلى الخلف، بينما قام بإرغامها على شربه فأغمي عليها مباشرة، حتى يتسنى لهم الاعتداء عليها لاحقا. وفي الساعات الأولى لليوم الموالي، لاحظ المتهمون أن الضحية باردة ولا تتحرك، واكتشفوا بأنها فارقت الحياة. وبعد الحادثة، تسلل الخوف إلى قلب المتهمين، فتنصلوا من إنسانيتهم وقرروا إخفاء آثار جريمتهم، وأجمعوا على حرق جثة الضحية القاصر. وفي اليوم الموالي، نقلوا الجثة على متن سيارة ووضعوها داخل قناة لصرف المياه القذرة وأضرموا النار فيها، بعدما ردموها بالعجلات المطاطية. ولما عادوا في اليوم الموالي، وجدوها لم تحرق بالكامل، فأعادوا إشعال النار فيها إلى أن تفحمت بشكل تام. استخراج الجثة تصريحات الوالد تركت وقعا على مسار القضية، ما جعل القاضي يأمر باستخراج الجثة وإجراء تحليل الحمض النووي عليها، لحل اللغز ومعرفة هويتها الحقيقية وهوية جنينها، ومنه تحديد القاتل. لكن، برز هنا مشكل آخر، يتمثل في عدم معرفة المحققين مكان تواجد الجثة المجهولة التي دفنت معها أسرارها. ويواجه المتهمون الخمسة جناية القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد، وتشويه وإخفاء جثة، بالإضافة إلى هتك عرض قاصر وتحريضها على الفسق، مع تخصيص محل سري للدعارة، سيتم الفصل فيها أمام محكمة الجنايات بمجلس قضاء بومرداس يوم الرابع من جانفي القادم.