أمر الله سبحانه وتعالى عباده بالحلال ونهاهم عن الحرام وحذّرهم من الشيطان الذي يسعى جهده لجرهم إلى المكاسب الخبيثة، ويُزين لهم المتشابه ليجاوز بهم إلى الحرام، فينقلهم إليه خطوة خطوة؛ حتى إذا أغرقهم في الحرام لم يستطيعوا النّجاة منه {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} البقرة: .168 إنّ حبّ المال عندما يدخل حيّز الشبهات وربّما يغوص في الحرام، يكون هدماً لتعاليم الإسلام ويصبح المال وَبَالاً على صاحبه وعلى قيم المجتمع وسلامته. وللأسف الشّديد، فقد استسهل النّاس مصدر أموالهم: أمن حلالٍ هي أم من حرام، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''لَيَأْتِيَنّ على النّاس زمان لا يُبالي المرءُ بِمَا أخذ المال أمِنْ الحلال أم مِن الحرام''، وباتت الغاية تبرِّر الوسيلة، وقد قال تعالى: {يا أيُّها الذين آمنوا لا تأكُلوا أمْوَالَكُم بينَكُم بالباطل إلاّ أن تكون تجارة عن تراض منكم}، وقول سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''إنّ الله طيِّبٌ لا يقبَل إلاّ طيّباً''. روت خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: سمعتُ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: ''إنّ رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النّار يوم القيامة'' رواه البخاري، وفي لفظ للترمذي قال عليه الصّلاة والسّلام: ''إنّ هذا المال خضرة حلوة، مَن أصابه بحقِّه بورك له فيه، ورُبَّ متخوض فيما شاءت به نفسه من مال الله ورسوله ليس له يوم القيامة إلاّ النّار''، وفي حديث آخر قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''يا كعب بن عجرة، إنّه لا يربو لحم نبت من سحت إلاّ كانت النّار أولى به'' رواه الترمذي، وفي لفظ لأحمد: ''إنّه لا يدخل الجنّة لحم نبت من سُحْت، النّار أوْلَى به''. ويُرْجِع علماء الإسلام دوافع خوض النّاس في الحرام واكتساب الخبيث إلى استسهالهم المال الحرام وأكل المال بالباطل، وإلى الظلم بين الناس، من أخ يظلم أخاه، وابن يخرج عن طاعة والديه، وجار يظلم جاره ويجور على أرضه، وأزواج يسلبون أموال زوجاتهم، وموظف يكيد لزميله، ومسؤول أو صاحب مال يؤثر نفسه والمقرّبين منه ويهضم حقوق الآخرين، وما يحدث في الأسواق من غش وتدليس. إنّ أكل الحرام إنّما يُعرض صاحبه لعقوبة في الدنيا وفي قبره ويوم القيامة. فالخسارة واردة والبركة منزوعة ويحل البلاء والعياذ بالله، يقول الله تعالى: {يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا ويُرْبِي الصَّدَقات والله لا يُحِبُّ كلَّ كفارٍ أثيم}. ويتحايل البعض ممّن جمع أمواله بالحرام، أنّه سيُطَهِّره بالصّدقة وغيرها، وجَهِل أنّ مَن أنْفَق منه في طاعة يكون كمَن طَهَّر الثوب بالبول والثوب لا يُطَهَّر إلاّ بالماء، وكذا الذّنبُ لا يُكفّره إلاّ الحلال والتوبة إلى الله تعالى. واعلم أنّ من شؤم المال الحرام أنّه يمنَع إجابة الدعاء حتّى في سفر الطاعات كالجهاد والحج والعمرة وطلب العلم؛ روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''أيُّها النّاس إنّ الله طيّب لا يقبَل إلاّ طيّباً، وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} المؤمنون: 51، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} البقرة: 172، ثمّ ذَكَر الرجل يُطيل السّفر أشعث أغْبَر يَمُدّ يديه إلى السّماء: يا ربّ، يا ربّ، ومطعَمُه حرام، ومشرَبُه حرام، وملبسُه حرام، وغُذِي بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك؟'' رواه مسلم. فاتّق الله في دينك وفي أخلاقك وفي مجتمعك، وتحرّ الحلال في المال، لأنّك ستُسال يوم القيامة عن مالك من أين اكتسبته وفيما أنفقته.