بومدين عرض على زبيري اقتسام كعكة السلطة - بومدين أقال زبيري من قيادة الأركان بمجرد خروج فيلق المدرعات من العاصمة ضابط في المخابرات أخبر زبيري بأن بومدين أمر باعتقاله - هناك مسؤولون اقترحوا على العقيد زبيري اغتيال بومدين عوض اتخاذ موقف عسكري ضده، فقال لهم زبيري: ''والله لا ولن أسمح لنفسي بأن أعطي تعليمات للاغتيالات السياسية، سواء أكان بومدين أو غيره حتى لا تصبح الاغتيالات السياسية أسلوبا في تغيير الحكم'' - اتفق سعيد عبيد ويحياوي وعباس وبن سالم بتأييد من الشاذلي وعبد الغني على: ... إذا لم يحترم الرئيس بومدين قراره بعقد اجتماع مجلس الثورة، يقدم رؤساء النواحي العسكرية استقالتهم من الجيش ويتخذوا موقفا عسكريا موحدا داخل النواحي العسكرية إلى حين انعقاد الاجتماع - فكان رد منجلي الذي لم أتوقعه نهائيا: ''سي مهدي.. ما رأيك لو أتصل ببومدين وأقول له إن سي الطاهر قلق وسأذهب لأسترضيه'' - لكن رد بومدين كان واضحا وقال لزبيري: ''الجماعة الذين يتشدقون بالاجتماع ليس لهم أي وزن اجتماعي في البلاد ومعظمهم يأتون الاجتماع وهم سكارى'' بعد أن تناولنا في الحلقة السابقة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى الخلاف بين العقيد شعباني والرئيس بن بلة وكذلك العقيد بومدين وكيف تم إلقاء القبض على العقيد شعباني ومحاكمته ثم إعدامه، بالإضافة إلى مشاركة الجزائر في الحروب العربية الإسرائيلية، نتناول اليوم أسباب اندلاع الأزمة بين قائد الأركان العقيد الطاهر زبيري ووزير الدفاع ورئيس مجلس الثورة العقيد هواري بومدين. كيف اشتعلت أزمة ديسمبر 1967 بين العقيد هواري بومدين والعقيد الطاهر زبيري؟ - لن تجد من يحكي لك عن أزمة 14 ديسمبر 1967 أفضل مني ولا فخر ولا رياء... نقطة البداية كانت عندما نشب خلاف بين علي منجلي، نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني، وقايد أحمد، وزير المالية، وعبد القادر شابو الأمين العام لوزارة الدفاع وكنت حينها في سكرتارية مجلس الثورة مع شرقي الوردي وكنا نعد كل محاضر الاجتماعات، حيث تحدث منجلي مع قايد أحمد وقال له: ''أرجو أن تعطينا جميع المعطيات عن ميزانية وزارة الدفاع''، وقبل أن يجيبه قايد أحمد تكلم شابو وقال له: ''لا تتدخل في هذا الأمر لأنه خاص بوزارة الدفاع''. وبعد جدل طلب منجلي رسميا إيضاحات، فقال له قايد أحمد: ''سآتي غدا بالخبراء الماليين''. وفي الغد جاء الخبراء الماليون، وأراد قايد أحمد تقديم الإيضاحات لكن منجلي قاطعه، وقال له: ''لستَ كفؤا لإعطاء الإيضاحات'' وتلفظ بألفاظ بذيئة، فتدخل شابو لصالح قايد أحمد، لكن منجلي أصر على موقفه، فتدخل العقيد بومدين رئيس مجلس الثورة وقال مخاطبا منجلي: ''أنت دائما تأتي بالمشاكل''، فرد عليه منجلي: ''عيّناك في هذا المكان ليس لتكون مع أي طرف كان''. فغضب بومدين وقال له: ''منذ عرفناك وأنت دائما مهرج بالمشاكل نتاعك''، ثم طوى ملفاته وخرج. المشكل لحد الآن بين العقيد بومدين والرائد علي منجلي، فما علاقة العقيد زبيري بهذه القضية التي كانت سببا في القطيعة بينه وبين رئيس مجلس الثورة؟ - لأنه في نفس الأمسية اتجه بومدين إلى مكتب زبيري بوزارة الدفاع في المرادية (قصر الرئاسة حاليا) وقال له: ''هذا الشخص الذي اقترحته علي نتاع مشاكل وأراد أن يحدث لنا انفجارا''، واقترح عليه أمرا خطيرا يتمثل في اعتقال علي منجلي حيث قال له ''فكرتي أن يلقى عليه القبض''، ولكن زبيري رد عليه: ''هذا عضو معنا في مجلس الثورة ونحن أزحنا بن بلة من الحكم الفردي وجئنا لجمع الشمل، وعلي منجلي تحدث في إطار قانوني، وفكرة إلقاء القبض عليه لست موافقا عليها''، فقال بومدين: ''أنا قلت هذا الكلام وأنت فكر فيه''. هل كان رفضُ زبيري فكرة اعتقال منجلي سببا في تجميد اجتماعات مجلس الثورة؟ - كل اجتماعات مجلس الثورة التي عقدت منذ تنحية بن بلة في 19 جوان 1965 كانت تعد على الأصابع، لأن المجلس كان مقسما إلى ثلاث فئات، جماعة وجدة التي تضم أقرب المقربين إلى بومدين وهم عبد العزيز بوتفليقة، شريف بلقاسم، أحمد مدغري وقايد أحمد وهو مغربي أخذ الجنسية الجزائرية في 26 جوان 1965 ومن أراد أن يتأكد فليذهب إلى الجريدة الرسمية، بالإضافة إلى الطيبي العربي سفير في كوبا ثم عيّنه بن بلة مديرا عاما للأمن الوطني. أما المجموعة الثانية فتضم كبار الضباط وهم: العقيد الطاهر زبيري رئيس الأركان، السعيد عبيد قائد الناحية العسكرية الأولى (البليدة)، محمد صالح يحياوي قائد الناحية العسكرية الثالثة (بشار)، الشاذلي بن جديد قائد الناحية العسكرية الثانية (وهران)، العقيد عباس قائد أكاديمية شرشال، عبد الله بلهوشات قائد الناحية العسكرية الخامسة (قسنطينة) وأحمد عبد الغني قائد الناحية العسكرية الرابعة (ورفلة). أما الفئة الثالثة فتتمثل في قادة الولايات التاريخية، أمثال محند أولحاج قائد الولاية الثالثة (القبائل) يوسف الخطيب قائد الولاية الرابعة (وسط الجزائر) وصالح بوبنيدر قائد الولاية الثانية (الشمال القسنطيني) وعلي منجلي نائب رئيس الأركان خلال الثورة ونائب رئيس المجلس الشعبي الوطني. كيف تعامل بومدين حيال رفض رئيس الأركان إبعاد علي منجلي من مجلس الثورة؟ - أصبحت جماعة وجدة تجتمع مع بومدين في فيلا 19 جوان الملاصقة لمقر الرئاسة في المرادية ويسهرون معه إلى غاية الرابعة صباحا للتخطيط بشأن التعامل مع الفئتين الأخريين في مجلس الثورة، مع العلم أن 19 جوان 1965 (الانقلاب على الرئيس بن بلة) حضّر له شهرين قبل تنفيذه في نفس الفيلا، وكان بومدين يستمع للجميع لكنه يتخذ قراراته لوحده. ماذا عن ردة فعل كبار الضباط إزاء تجميد اجتماعات مجلس الثورة؟ - بعد شهر جاءني الرائد عبد الرحمان بن سالم (نائب قائد الأركان ورئيس القطاع العسكري للعاصمة) إلى وزارة الدفاع وقال ''نريد مساعدة رئيس الأركان العقيد الطاهر زبيري بخصوص اجتماع مجلس الثورة الذي يرفضه بومدين إثر الحادثة التي وقعت بين منجلي وقايد أحمد''، وأضاف ''أرجوك تكلم مع الطاهر زبيري لكي يستقبل علي منجلي في مكتبه قبل طرح موضوع الاجتماع على بومدين''، فوافقت وكلمت زبيري فقال لي: ''بن سالم أقرب إلى بومدين أكثر مني لماذا لا يكلمه؟''، فقلت له: ''هذا نظرا لوزنك (في السلطة).. كلامك سيكون أفضل''. على ماذا اتفق علي منجلي والطاهر زبيري؟ - التقى الرجلان في منزل سي الطاهر على ما أظن بعيدا عن الأعين، فطال الحديث عن مشاكل الدولة وعدم انعقاد مجلس الثورة وخاصة عدم تطبيق ما ورد في بيان 19 جوان 1965، وكيف صار بومدين يرتكب نفس أخطاء بن بلة، ووافق زبيري على طلب علي منجلي بإبلاغ العقيد هواري بومدين بضرورة عقد اجتماع مجلس الثورة في أقرب وقت، لكن رد بومدين كان واضحا وقال لزبيري: ''الجماعة الذين يتشدقون بالاجتماع ليس لهم أي وزن اجتماعي في البلاد ومعظمهم يأتون الاجتماع وهم سكارى''. ورغم إلحاح زبيري عليه إلا أن بومدين تعنت ورفض الدعوة إلى اجتماع مجلس الثورة بأي حال من الأحوال. لماذا وصل الخلاف السياسي بين رئيس مجلس الثورة ورئيس هيئة الأركان إلى التلويح باستعمال القوة؟ - قبل 10 أيام من بداية حركة 14 ديسمبر 1967، جاءنا ضابط في الأمن العسكري وأخبرنا أن العقيد بومدين أعطى الأمر بإلقاء القبض على العقيد زبيري شخصيا بعد تعنته وإصراره على عقد مجلس الثورة، فاتخذ زبيري قرارا بأن يحمي نفسه فذهب إلى وحدة الدبابات في الليدو ببرج الكيفان (نحو 20 كلم شرق قصر الرئاسة) واستدعى قادة النواحي العسكرية وقادة الولايات التاريخية وأشعرهم بالقرار الجهنمي الذي اتخذه بومدين ضده، فزار معظم أعضاء مجلس الثورة الطاهر زبيري، المدنيون منهم والعسكريون، للاستفسار عن الموضوع، وحينما اطلع الرئيس بومدين على غدو ورواح هذه المجموعة، طلب من السعيد عبيد والعقيد عباس أن يطلبا من زبيري العودة إلى بيته وسيتنقل إليه شخصيا للتباحث معه. كيف وثق زبيري في كلمة بومدين رغم أن حياته كانت على المحك؟ - بل عاد إلى منزله احتراما للعقيد عباس والرائد السعيد عبيد، كما أنهما أعطياه ضمانات وأكدا له أن قرار بومدين بالقبض عليه مجرد دعايات، وفي المساء جاء بومدين لزيارته في بيته وعندما أراد حرسه الشخصي الدخول معه منعهم زبيري وقال لهم: إنه في حمايتي. أما بومدين فلما جلس قال لزبيري: ''أضحكت علينا العالم''. وأضاف: ''لدينا كعكة (يقصد السلطة) تعال لنقتسمها مع بعض، وإذا لديك أسماء (للتوزير) هاتهم لنعينهم''. فرد عليه زبيري: ''لست هنا لتعيين أي كان، ولا أحتاج للمسؤولية''. وأضاف: ''لقد ساهمنا جميعا في إزاحة بن بلة عن الحكم لاستيلائه على السلطة بجميع أشكالها وتعاهدنا عهد الأحرار أن نسلم الحكم إلى المدنيين وأن نضع الأسس التشريعية في أقرب الآجال لتسيير أمور الوطن''، فقال له بومدين: ''أظن أن أحسن حل لهذا الوضع السائد فيما بيننا هو أن أعيّنك وزيرا للدفاع''، فقال زبيري: ''سبحان الله لا أريد أي مسؤولية، أريد فقط فهم عدم تطبيق ما ورد في بيان 19 جوان''، وفي الأخير قال له بومدين: ''سنلتقي غدا على مائدة العشاء في بيتي وسنكمل الحديث''. هل فعلا كان هناك متعاطفون مع العقيد زبيري، فكروا في قتل بومدين دون استشارة قائدهم؟ - بومدين في تلك الفترة كان يتنقل من مكان إلى آخر ولم يكن ينام في منزله خوفا على حياته، وفي هذا الصدد وللتاريخ وأقولها بكل صراحة ولأول مرة، هناك مسؤولون اقترحوا على العقيد زبيري اغتيال بومدين عوض اتخاذ موقف عسكري ضده، فقال لهم زبيري: ''والله لا ولن أسمح لنفسي بأن أعطي تعليمات للاغتيالات السياسية، سواء أكان بومدين أو غيره حتى لا تصبح الاغتيالات السياسية أسلوبا في تغيير الحكم''. والذين اقترحوا على زبيري هذه الفكرة الجهنمية، تنصلوا من مواقفهم مع الطاهر زبيري، ونحن لم نذكر أسماءهم للمصالح الأمنية حتى لا تتشعب القضية. عمار ملاح صرح لنا شخصيا بأن أحمد دراية، مدير الأمن الوطني في عهد بومدين، خطط لاغتياله، فهل تؤكدون هذا الكلام أو تنفونه؟ - صحيح أن أحمد دراية عرض على العقيد الطاهر زبيري تصفية الرئيس بومدين جسديا دون اللجوء إلى عمل عسكري ضده، ومن ضمن الأشياء التي تركت دراية يتخلى عن الطاهر هو عدم قبوله لفكرة الاغتيال، وعرض هذه الفكرة على زبيري بعد عودته من الليدو، حيث كان يحتمي بفيلق الدبابات. أحمد دراية كان الوحيد إلى جانب الرائد أحمد عبد الغني اللذين لم يكشف أمرهما، بالرغم من أن المصالح الأمنية وخاصة قاصدي مرباح ويزيد زرهوني، طلبوا منا معرفة مستوى مشاركة دراية وأحمد عبد الغني في حركة 14 ديسمبر. ألم يكتشف الرئيس بومدين إلى غاية رحيله، أن مدير الأمن الوطني كان يحرض على اغتياله؟ - أحمد دراية الذي عيّن نائبا لمحكمة الثورة التي أقامها بومدين لمحاكمة الضباط والمدنيين الذين شاركوا في حركة 14 ديسمبر 1967، طلب من والدي أن لا أتطرق لبعض أسرار القضية وفهمت أنه يقصد اقتراحه على العقيد زبيري اغتيال بومدين وهو ما رفضه قائد الأركان بشكل حاسم، رغم أن مكتبه ومكتبي كانا ملاصقين لمكتب بومدين في مقر الرئاسة وكان بالإمكان وضع السم في شرابه أو طعامه بسهولة. وكان مدير المخابرات، آنذاك، قاصدي مرباح ومعه نور الدين يزيد زرهوني، يشكّون في أمر دراية وحققوا معنا بشأنه، لكننا لم نكشف لهم حقيقة أحمد دراية حتى لا نعقد قضيتنا، وقد طرح دراية هذه الفكرة على المحامي علي هارون الذي قام بالدفاع عن 28 إطارا موقوفا في هذه القضية على أكمل وجه. وما درجة مشاركة الرئيس الشاذلي بن جديد في حركة 14 ديسمبر؟ - إن شئتم معرفة حقيقة هذا الأمر بالتدقيق، عليكم بالاتصال بالسيدين كمال ورتسي وعلي بوحجة المدعو فلفلي، وهما لايزالان على قيد الحياة، ولن أعطيك أي معلومة إضافية بل أترك لأصحابها الإدلاء بشهادتهما حولها، وستظهر لكم حقائق موقف سي الشاذلي. ماذا عن العياشي حواسنية، قائد فيلق الدبابات، الذي قال لزبيري إنه فكر في إطلاق قذيفة دبابة على المنصة الشرفية التي كان يجلس فيها بومدين وغاب عنها زبيري؟ - كذب من قال إننا أعطينا تعليمات بوضع الذخيرة الحية في الأسلحة أثناء الاستعراض العسكري، لأن العقيد زبيري لم يخطر أيا كان بعدم حضوره الاستعراض، رغم أنه أشرف شخصيا على التحضيرات لهذا الاستعراض في بوفاريك. ففي ذلك اليوم اتصل عبد المجيد علاهم، مدير التشريفات بالرئاسة، بالعقيد زبيري في بيته وقال له بعجرفة ''ماذا.. ألن تأتي.. الرئيس ينتظرك''، فرد زبيري: ''سآتي''. وبعد عشر دقائق اتصل به علاهم ثانية وتكلم معه بطريقة مستفزة ''ماذا.. ننتظرك حتى تأتي''. وللتاريخ، فإن العقيد زبيري لم يخبرنا أنه يخطط لعدم حضور الاستعراض العسكري (في الأول من نوفمبر 1967). هل فعلا أن السعيد عبيد كان يطمح لرئاسة الأركان بدلا من العقيد زبيري؟ - إن السعيد عبيد رجل فذ ومن ألمع الإطارات الثورية، وبالفعل بومدين اقترح عليه أن يعيّنه وزيرا للدفاع لا رئيسا للأركان، وأخبر عبيد الطاهر زبيري بهذه المعلومة خلال الأزمة، وقال له ''يا سي الطاهر، إصبعي وإصبعك موس واحد يقطعهما''، وهذا يدل على درجة الترابط بين الرجلين. وهل تعتقد أن السعيد عبيد انتحر فعلا، أم تميل لرأي مقربين منه بأنه صفّي على يد رجال بومدين؟ - كان سعيد عبيد إطارا ساميا في الجيش، محترما ومهابا وشجاعا في آن واحد، وبومدين كان يخشى تدخلاته في مجلس الثورة لأنه كان صريحا وجريئا جدا، إن موته كان كارثة كبرى وخسارة للجزائر برمتها، إن تضارب المعلومات بخصوص انتحاره أو عدمه سرّ لا يعلمه إلا الله. زبيري تحدث عن ضباط دفعوه للمواجهة مع بومدين ثم تخلوا عنه عندما جد الجد، ويحياوي ينفي بشكل مطلق أنه وعد زبيري بالوقوف إلى جانبه عسكريا ضد بومدين، أين الحقيقة وسط هذا التضارب؟ - لقد حصل اجتماع هام يوم 19 نوفمبر 1967 لم يتحدث عنه زبيري في مذكراته، وهذا الاجتماع انعقد في أكاديمية شرشال عند العقيد عباس وجمع كلا من الرائد السعيد عبيد قائد الناحية العسكرية الأولى والرائد محمد الصالح يحياوي قائد الناحية العسكرية الثالثة والرائد عبد الرحمان بن سالم رئيس القطاع العسكري للعاصمة ونائب قائد الأركان، والذي ساهمت فيه شخصيا وحررت فيه محضر الاجتماع الذي كان حول مائدة الغداء، وأول من أخذ الكلمة هو السعيد عبيد والذي قال بالحرف الواحد: ''لقد كلفت من طرف رؤساء النواحي الشاذلي بن جديد (الناحية الثانية) وأحمد عبد الغني (الناحية الرابعة) (لم يذكر اسم عبد الله بلهوشات قائد الناحية الخامسة) بمساندة أي قرار يصدر منا نحن القادة العسكريين في هذا الاجتماع، ودار الحديث على أساس النقاط التالية: 1 يتعهد الرئيس هواري بومدين بعقد اجتماع مجلس الثورة في أقرب الآجال، شريطة نقل فيلق الدبابات صوب الأصنام (الشلف حاليا). 2 إذا لم يحترم الرئيس بومدين قراره بعقد هذا الاجتماع، يقدم رؤساء النواحي العسكرية استقالتهم من الجيش ويتخذوا موقفا عسكريا موحدا داخل النواحي العسكرية إلى حين انعقاد مجلس الثورة. ولماذا كان عبد الله بلهوشات الوحيد من قادة النواحي الذي لم يساند مقررات هذا الاجتماع؟ - لنرجع قليلا إلى الوراء في محاكمة ما يعرف بانقلاب العقداء في 1958، حيث تفادى بومدين النطق بحكم الإعدام على عبد الله بلهوشات. بالرغم من أنه كان مع المجموعة المتهمة بمحاولة الانقلاب على الحكومة المؤقتة، وبالنسبة لنا، عبد الله بلهوشات، مثلما نقول بالتعبير العامي ''حشيشة طالبة معيشة''. ولكن هذا الكلام يبدو غامضا ولا يعني أن قادة النواحي العسكرية التزموا بالوقوف عسكريا مع زبيري في حال قيامه بأي تحرك ضد بومدين؟ - هؤلاء القادة قالوا لزبيري ''في حال ما لم يلتزم بومدين، ثق بأننا كإخوان مجاهدين ورفقاء، سنستقيل جماعيا ونتخذ موقفا عسكريا مشتركا داخل الوحدات العسكرية والضغط على بومدين لعقد اجتماع مجلس الثورة الذي كان سبب الأزمة''. ولكن زبيري قال لهم ''كلامه (بومدين) سم مدسوس في عسل وكل ما قلتموه لي لا يقنعني وأنا واثق أن بومدين لن يأمر بعقد هذا الاجتماع، ولكن نظرا لأخوتنا وعلاقتنا فإنني أوافق على نقل فيلق الدبابات وكل هذا على مسؤوليتكم''. وبعد هذا الاجتماع، أعطاني زبيري تعليمات لكي أتصل بالعياشي حواسنية قائد فيلق الدبابات لنقل دبابات فيلقه إلى مدينة الأصنام في شاحنات خاصة سيرسلها له السعيد عبيد، فتفاجأ العياشي حواسنية لهذا القرار لكن لم يكن أمامه سوى تطبيقه. وهل وفى بومدين بوعده؟ - عندما وصل فيلق الدبابات إلى الأصنام، طلب زبيري من السعيد عبيد والعقيد عباس ويحياوي أن يعطوه تاريخ موافقة الرئيس بومدين على اجتماع مجلس الثورة، فكان رد بومدين عليهم بكل صراحة ووضوح ''كنت أخشى من تواجد فيلق الدبابات في العاصمة، أما الآن فلن آمر بعقد هذا الاجتماع بل بالعكس سأتخذ قرارا بعزل زبيري من قيادة هيئة الأركان''. وكيف تعامل كبار قادة الجيش إزاء هذا الموقف الحرج؟ - دعا السعيد عبيد كلا من الطاهر زبيري والعقيد عباس ويحياوي وبن سالم وقايد أحمد إلى بيته الجديد في الأبيار للإفطار معه (في شهر رمضان)، وذلك في 12 ديسمبر 1967، وجرى الحديث عن اجتماع شرشال ورفض بومدين تنفيذ التزاماته بعد إبعاد فيلق الدبابات إلى الأصنام، وتقرر في هذا الاجتماع أن يتجه كل من السعيد عبيد وعبد الرحمان بن سالم والعقيد عباس ومحمد صالح يحياوي صوب منزل بومدين، للمرة الأخيرة، لتحسيسه بضرورة عقد اجتماع مجلس الثورة ونزع فتيل الأزمة. هل استطاع كبار الضباط أن ينتزعوا أي تنازل من بومدين في آخر اجتماع لهم مع الرئيس؟ - قرابة 5 ساعات وكبار الضباط مجتمعون مع بومدين في بيته ولكن دون حضور قايد أحمد هذه المرة، وخلال هذه الفترة أمرني العقيد زبيري أن أترقب في منزله رجوع القادة العسكريين من الرئاسة ليحملوا لي فحوى الحديث بينهم وبين الرئيس بومدين، وفي حوالي الثانية بعد منتصف الليل رجع المسؤولون العسكريون من عند الرئيس وسألوني: ''أين هو سي الطاهر؟''، فقلت لهم: ''ما هي نتيجة مقابلتكم مع الرئيس؟''، فقال السعيد عبيد بالفرنسية: ''صفر مكعب... لم يرد أن يفهم أي شيء''، ثم سألني مجددا: ''أين هو سي الطاهر؟''، فقلت: ''ذهب إلى الوحدات العسكرية''. فحصل صمت رهيب بين القادة الأربعة، وأضفت لهم: ''إن سي الطاهر يطلب منكم تطبيق ما اتفق عليه.. كل واحد في ميدانه''. فقالوا: ''فهمنا كل شيء''. وانصرف الجميع، وقمت حينها بإخطار الطاهر زبيري بواسطة الأخ المجاهد محمد معارفية الذي كان الوحيد الذي يعرف مكانه، بفحوى اللقاء وفي أوانه، وهذه الرواية مسجلة لدى مصالح الأمن وقاضي التحقيق و16 محاميا في 1968 وليست وليدة أفكار أناس آخرين في .2011 زبيري في مذكراته لم يتحدث عن موقف علي منجلي من أزمته مع بومدين، رغم أن شرارتها انطلقت من عنده، فهل لديك تفاصيل عن سبب صمته خلال تلك الفترة؟ - للتاريخ، في صبيحة يوم 13 ديسمبر 1967، كلفني سي الطاهر بالاتصال بأعضاء مجلس الثورة للالتحاق بنا في البليدة وكذلك الاتصال بمجموعة الفيالق الموالية لنا للتحرك إلى نفس المكان، وانتقلت في سيارة ''دي آس بلاس'' صوب منزل علي منجلي حوالي الساعة 30:08 صباحا وقلت لمنجلي بالحرف الواحد: ''الأخ سي علي، لقد تحققت مطالبك التي قلتها لزبيري بخصوص انعقاد مجلس الثورة، فقد أعطى تعليماته لثلاثة فيالق للتحرك في اتجاه البليدة لحماية مقر اجتماع مجلس الثورة وحماية الرئيس أحمد بن بلة من الاغتيال لا قدر الله من طرف الموالين لبومدين واستعماله كورقة ضغط''. فكان رد منجلي الذي لم أتوقعه نهائيا: ''سي مهدي.. ما رأيك لو أتصل ببومدين وأقول له إن سي الطاهر قلق وسأذهب لأسترضيه''. تعجبت لهذه المقولة وقلت له: ''إن الوحدات العسكرية تحركت وأرجو منك رجاء حارا أن لا تخبر بومدين بهذا الموضوع نهائيا وإن شئت أتيت معي فأهلا وسهلا وإن لم تشأ فهذا شأنك''. فرد علي هذه المرة بطريقة مختلفة وقال: ''أنا متخوّف من أن يلقى علي القبض أثناء تنقلي لمكان الاجتماع وسأترقب قدوم الوحدات إلى الجزائر لأحضر الاجتماع''. فقلت له: ''لم تعط الأوامر للوحدات بالتوجه إلى العاصمة نهائيا، لأن مهمة الفيالق الموالية لنا هي الحفاظ على مكان الاجتماع والحفاظ على حياة بن بلة''. فأجابني: ''سأتصل بعبد الرحمان بن سالم لاستيضاح الأمر''. فامتطيت سيارتي وغادرت منزله إلى مليانة (بولاية عين الدفلى) ثم عدنا إلى العفرون. ولكن الرائد عمار ملاح، القائد الميداني لحركة 14 ديسمبر، أكد أن الهدف من تحريك الفيالق هو خلع بومدين من الحكم بكل بساطة، ما تعليقك؟ - أؤكد أمام الله أن الهدف الوحيد لهذه العملية لم يكن يقصد به العقيد زبيري خلع الرئيس بومدين من الحكم، بل كان هدفه الوحيد عقد اجتماع مجلس الثورة وحماية حياة الرئيس بن بلة، وقال لنا: ''حتى بومدين سأدعوه لحضور اجتماع مجلس الثورة''. كل تلك الدبابات والمدرعات والصواريخ وآلاف الرجال المدججين بالسلاح فقط لعقد اجتماع، ماذا كان يخطط العقيد زبيري من وراء كل ذلك؟ - ما كان منتظرا من اجتماع مجلس الثورة هو تطبيق ما جاء في بيان 19 جوان (يوم تنحية الرئيس أحمد بن بلة) وهذا البيان حررته مع الشيخ عبد الرحمان شيبان ومولود نايت بلقاسم وعبد الرحمان شريط، وأنا من قدم المسودة النهائية لوزير الدفاع هواري بوميدن لقراءتها وتصحيحها، والله لم يحذف منها ولا حرف ولا حتى نقطة، إلا شيئا واحدا فقط، قال لي ''انزعوا عني (بسم الله الرحمان الرحيم)''، فقلت له: ''الشعب يحب أن يسمع البسملة في كل شيء''. فقال: ''لا''. فذهبت إلى الشيخ شيبان وقلت له: ''الرئيس طلب مني تمزيق مشروع البلاغ الذي كتبناه بعد سبر آراء المخططين لحركة 19 جوان 1965 وطلب أن أرميه في سلة المهملات''، ثم رويت له حكاية بومدين مع البسملة، فقال لي الشيخ شيبان: ''ربي يسترنا من هذا الرجل''. تطالعون غدا في الحلقة الأخيرة: - ولا طيار روسي شارك في قصف قوات زبيري في العفرون. - 10 طائرات أصابت 60 من الجنود الموالين لبومدين. - الطلبة الجنود في العفرون كانوا يظنون أنهم يشاركون في فيلم سينمائي. - دراية طلب من زبيري اغتيال بومدين ثم حكم على ضباطه بالإعدام.