كشف المخرج الجزائري المغترب، محمد لخضر تاتي، أن السلطات الاستعمارية الفرنسية في الجزائر عاملت الجمهوريين الإسبان، الذين فروا من بطش الجنرال فرانكو، خلال الحرب الأهلية الإسبانية، بقسوة ولم توفر لهم ظروف إقامة لائقة، فوضعتهم في مراكز لا تتوفر على أدنى الظروف المعيشية اللائقة. تناول الفيلم الوثائقي الذي أخرجه محمد لخضر تاتي، بعنوان ''في ثنايا الصمت، أحسست بالأرض تتحرك''، قضية تندرج ضمن المسائل المسكوت عنها في تاريخ فرنسا الاستعماري، والمتعلقة بمصير الجمهوريين الإسبان الذين فروا من إسبانيا، ولجأوا في الجزائر، بداية من سنة 1936، عقب بروز ديكتاتورية الجنرال فرانكو، والتي أدت إلى حرب أهلية بين الفاشيين والجمهوريين بين 1936 و.1939 ونجح تاتي، خلال عرضه الوثائقي، أول أمس، بالمعهد الفرنسي في الجزائر، في إماطة اللثام عن قضية شائكة وحساسة، رغم نقص الأرشيف الذي يتناول هذه الحقبة التاريخية، والتي تتحمل السلطات الاستعمارية الفرنسية مسؤولية التعتيم الذي أصبح يشوبها إلى حد الآن. وتندرج القضية التي تفضح ممارسات المنظومة الكولونيالية في تعاملها مع الجمهوريين الإسبان المناهضين للفاشية، ضمن القضايا المسكوت عنها في التاريخ الفرنسي الحديث، ويمكن إدراجها في نفس مستوى قضية ''الماريشال بيتان'' وحكومته الموالية لأدولف هتلر. وكشف محمد لخضر تاتي أن الجمهوريين الإسبان فروا إلى الجزائر، بعد أن تعقبتهم قوات الجنرال فرانكو الفاشية، فوضعتهم السلطات الاستعمارية في مراكز خاصة في وهران، ثم رمت بهم في مناطق نائية بالجلفة بعيدا عن الأنظار. وأعاد المخرج تركيب بعض الصور الخاصة بهذه الحقبة التاريخية الحساسة والمجهولة، بالنسبة للجزائريين والفرنسيين والإسبان على حد سواء. وكشف أن معاملة السلطات الفرنسية لهؤلاء الإسبان كانت سيئة للغاية، رغم أنهم كانوا ضحية قوى فاشية تحالفت مع النازية، وبعد استقلال الجزائر أخذت فرنسا كل الأرشيف المتعلق بهذه القضية، ولم يجد ''تاتي'' من وسيلة لإخراج فيلمه الوثائقي سوى اللجوء إلى جمع بعض الشهادات من الذين ما زالوا على قيد الحياة، على غرار الكاتب ماكس أوب. وذكر المخرج تاتي، خلال لقائه مع الصحافة، عقب عرض الفيلم أن الأرشيف الفرنسي المتعلق بحياة الجمهوريين الإسبان في الجزائر مدرج ضمن ''الأرشيف السري'' غير القابل للاطّلاع، وهو ما عقد مهمة تناول قضية شائكة مثل هذه. وبخصوص المؤرخين الذين تناولوا هذه الحقبة، قال المتحدث إنهم قلة قليلة، ولم يتمكن من تسجيل سوى رأي أستاذة الأدب والحضارة الإسبانية بجامعة الجزائر، صليحة زرقي. ويركز الفيلم على فكرة هجرة الجمهوريين الإسبان إلى الجزائر على متن زوارق صغيرة، وأظهرتهم كاميرا محمد لخضر تاتي في صورة ''حرافة'' من زمن آخر، ومن ضفة أخرى معاكسة.