هناك تصريحات سياسية تريد أن تعمم فكرة خاطئة، أن هناك أحزابا صغيرة وأخرى كبيرة. سياسيا ومنطقيا إما أن هناك معاهد لسبر الرأي مشهودا لها بالاحتراف تتعرف بشكل علمي على ''الثقل'' الشعبي للأحزاب أو أن هناك انتخابات حرة ونزيهة تعكس حقيقة توجهات الرأي العام والأحزاب والبرامج التي يثق فيها الجزائريون. الجزائر لا تتوفر ولم تتوفر، في الغالب، لا على هذه ولا على تلك. فكيف يمكن إصدار الأحكام من قبل السلطة أو من قبل بعض وسائل الإعلام التابعة لها؟ على العموم، منطقيا، ينبغي القول هناك فعلا نوعان من الأحزاب: هناك الأحزاب الفاشلة، وهي إما في السلطة أو تلعب دور معارضة السلطة، وهناك أحزاب لم تدخل بعد الساحة السياسية. نعم الأحزاب المسماة كبرى فشلت في إقامة ساحة سياسية حقيقية، علاقتها بالناس ضعيفة أو منعدمة، ولم تنتج إلا واقعا سياسيا رديئا جدا، غابت فيه البرامج بل ويفتقر حتى لرجال سياسة بأتم معنى الكلمة. لو أخذنا المسألة من زاوية ''الثقل'' الكاريزمي لزعماء الأحزاب القائمة، فمن يمكن أن نضعه في هذه الخانة؟ وإذا أخذنا المسألة من زاوية ''الثقل'' السياسي أو الفكري أو المعنوي أو حتى ''ثقل'' التجربة السياسية، فإن الواحد يستحي أن يستخدم وصفا لحال أغلبية مكونات الزعامات الحزبية. إنهم لا يمثلون لا تيارا فكريا حقيقيا ولا حتى رؤية سياسية. وإذا أخذنا البرامج أو حتى التصريحات السياسية فقط، فإن الأفكار قليلة أو منعدمة عند الأغلبية الساحقة من الأحزاب. بل نرى أن الأحزاب تكرر نفسها وتأخذ من بعضها، بل يقول لي صديق إن ''سرقة!!'' البرامج والأفكار والمواقف رائجة في الساحة السياسية. لست أدري إن كان لا بد من تسجيل ''براءة'' البرامج والأفكار مثلما نسجل براءة الاختراع، ولكن، مؤكد، لا بد من ترك الحكم الحر على كل هؤلاء للناخبين؟ نعم الساحة السياسية ردئية وفقيرة جدا من حيث الأفكار والبرامج. فناس السلطة سلطويون ولا مواصفات سياسية أو قيادية لهم. وهم أنتجوا ''معارضة'' على مقاسهم ومتناسبة مع رداءتهم السياسية والمعرفية. على العموم، هناك مسائل بديهية ولكن منطق السلطة كثيرا ما كان منافيا حتى لبديهيات المنطق. يمكن أن تجد زعماء أحزاب لا يظهرون أبدا ولا تسمع لهم أي تصريح لسنين طويلة ويمكن أن تجد زعماء أحزاب لا يتكلمون أي لغة بشكل سليم، ويمكن أن تجد أحزابا بلا مناضلين وبلا برنامج وبلا أي هوية. لقد جعلتهم السلطة ديكورا عدديا تستخدمه متى ما أرادت التحايل على الجزائريين. كأن تشركهم في ''استشارة سياسية'' ثم تصدر بيانا تقول فيه: وافقت أغلبية الأحزاب على..!!! فقر السياسة من فقر البرامج وهذه من رداءة القيادات. والسبب يعود أساسا لعدم السماح أو التمكن من إشراك النخب في وضع البرامج وفي قيام الأحزاب وقيادتها، لأن ''الزعيم''، مثل السلطة، لا يعتمد إلا على من يستطيع التحكم فيهم ولا يهددون زعامته ولا يناقشونه في أي شيء. فقر السياسة يؤدي لفقر البرامج ويؤدي لفقر المجالس المنتخبة وحتى فقر الحكومات. وفقر المجالس والحكومات من حيث الكفاءات ومن حيث الخبرات، يؤدي لفقر السلطة ورداءتها ورداءة تسييرها. لو سألت أيا من الجزائريين، عن ميزة الزعامات ''الأبدية!'' للساحة السياسية القائمة والتي أتت بقرار سلطوي لا نضالي، فإن الرد الوحيد المؤكد هو: أنهم لا يمثلونهم وأنهم من المستفيدين غير المفيدين للدولة وحتى للسلطة. أما آن الأوان لهذا الفقر السياسي أن يثرى؟ أما آن الأوان لهذه الرداءة أن تتوقف؟ أما آن الأوان لهذا الغباء أن ينتهي؟ أما آن الأوان لهذه السلطة أن تتغير وأما آن الأوان لهذا النظام العاجز الفقير أن يرتقي إلى متطلبات المجتمع في الحرية وفي العدل وفي الكرامة وفي حل مشاكله؟ نعم لقد آن الأوان للجهل أن ينتحر وآن الأوان للرداءة أن تعود لحجمها وآن الأوان للفشل أن يتوقف وآن الأوان لاحترام صوت الجزائريين وآن الأوان لهذا النظام أن يتغير أو أن يتبدد.