شكلت الخارجية الجزائرية خلية متابعة لتطورات الوضع في مالي، عقب الانقلاب العسكري الذي يتجه نحو إنهاء حكم الرئيس أمادو تومانو توري، وجمّدت، فورا، كل أنواع التعاون العسكري والإنساني، كما أدانت اللجوء إلى القوة والتغيير المخالف للدستور، وهو موقف تعودت الجزائر على الالتزام به ضد ''انقلابات'' إفريقية آخرها انقلاب محمد ولد عبد العزيز، رئيس موريتانيا، في صائفة 2008 على سلفه محمد ولد سيدي الشيخ، وكذلك الانقلاب ضد ممادو طنجة، رئيس النيجر الأسبق قبل عامين. وشددت الجزائر على ضرورة عودة النظام الدستوري في مالي، وأفاد الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية، عمار بلاني، أمس، أن الجزائر تدين اللجوء إلى القوة في مالي وترفض ''بشدة'' التغيير المخالف للدستور. وأوضح بلاني أن ''الجزائر تتابع بانشغال كبير الوضع في مالي، وبحكم موقفنا المبدئي وطبقا لأحكام العقد التأسيسي للاتحاد الإفريقي ندين اللجوء إلى القوة ونرفض بشدة التغييرات المخالفة للدستور''. وأضاف ''نعتبر أنه يجب حل كل المسائل الداخلية في مالي في إطار السير العادي للمؤسسات الشرعية لهذا البلد وفي إطار احترام القواعد الدستورية''، مسجلا أن ''الجزائر تؤكد تمسكها الصارم بعودة النظام الدستوري في هذا البلد المجاور''. وأدانت المجموعة الدولية عملية استيلاء ''العسكر'' على الحكم في مالي، حيث دعت الخارجية الفرنسية إلى استعادة السلطة الدستورية في البلاد، وقال الناطق الرسمي لوزارة الخارجية، برنار فاليرو، إن بلاده تدعو إلى ''احترام النظام الدستوري وتدين اللجوء إلى العنف''، ودعا الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إلى احترام المعايير الديمقراطية في مالي والهدوء في حل الخلافات سلميا، مؤكدا أنه ''يتابع بقلق عميق تطورات الوضع، حيث يبدو أن هناك محاولة انقلاب جارية''، كما دعت الدول الأعضاء في المجلس ''جميع الأطراف إلى الهدوء واحترام الدستور''. وتوالت الإدانة من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والصين والاتحاد الإفريقي، ومنظمة التجمع الاقتصادي لدول غرب إفريقيا. وأعلن ''الانقلابيون'' في مالي، إغلاق جميع حدود البلاد بما فيها المشتركة مع الجزائر. ويفترض مراقبون أن يقع الوزر الأكبر لتبعات الانقلاب العسكري على الجزائر، التي بالكاد تكون رتبت أوراقها مع الحكومة الليبية من الجهة الشرقية. وكان الوزير عبد القادر مساهل قد غادر باماكو، ساعات قليلة فقط، قبل بداية العملية العسكرية الشاملة التي عزلت الرئيس المالي أمادو توماني توري، مساهل كان عائدا من اجتماع سعت الجزائر منذ أسابيع لإنجاحه، يختص بمحاولة محاصرة أزمة الأزواد الذين يرفعون راية الاستقلال. وفي غياب توقعات جازمة حول مصير الرئيس توري، يبدو أن الجزائر ستعود إلى نقطة الصفر في علاقاتها المباشرة بالنظام المالي، قياسا لسنوات طويلة قضتها الخارجية الجزائرية في محاولة لتجاوز حالات من الفتور والخلافات مع نظام توري، سواء بسبب مواقف سابقة لحكومته من ملف ''الإرهاب'' أو كيفية تسيير مسائل التنمية في الشمال، وفي حال اكتمال الانقلاب العسكري، فإن الجزائر مطالبة بإعادة النظر في جميع الاتفاقات التي تجمعها بهذا البلد الجار، الذي يوصف بالحلقة الأهم في محور نشاط الإرهاب من جهة، و''الحلقة الأضعف'' في محاربته من جهة أخرى، كما أن سقوط توري واعتقال وزير خارجيته سومايلو مايغا يرهن مشاركة مالي في اللجنة العسكرية العليا لدول الساحل التي مقرها تمنراست، وأكثر من ذلك يصعب التكهن بالسلوك الذي قد تتخذه ''حركة تحرير الأزواد''، في حال توقف الوحدات المقاتلة في الشمال المالي عن مواجهتها عسكريا.