قبل خمسة أشهر قام الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بالتحري حول فوز أولمبيك ليون أمام دينامو زغرب 1/7 لأنها اعتبرت نتيجة فيها كثير من الشك والريبة.. وبعدها بثلاثة أشهر فازت البحرين على أندونيسيا ب 0/10 فقامت الدنيا ولم تقعد، لولا أن حسابات الربح والخسارة بين منتخبات آسيا أفضت كلها إلى إقصاء البحرين من مواصلة مشوار تصفيات المونديال. هاتان النتيجتان أسالتا حبرا كثيرا، ولكن كيف يكون الأمر عندما تكون النتيجة خرافية؟ منذ سنوات تحدّثت الصحف عن هزيمة فريق إنجليزي نسويّ لكرة القدم بنتيجة 50 هدفا مقابل هدف واحد.. وهي المباراة التي نالت حظها من التعليق، ودعا آخرون إلى إدخالها قاموس ''غينيس'' الشهير للأرقام القياسية. صديق لي لا علاقة له بكرة القدم، عندما قرأ الخبر علق ضاحكا ''إذا كانت النساء الإنجليزيات نجحن في تسجيل 50 هدفا في مباراة واحدة، فإن رجال العرب بحاجة إلى 50 مباراة لتسجيل هدف واحد في مرمى إسبانيا أو البرازيل''. إن مثل هذه الأخبار أحيانا تثير شهية الحديث عنها لأنها تتجاوز حدود الطرافة إلى التساؤل عن كيفية بلوغ أرقام كهذه. فتسجيل 50 هدفا يعني أن الفريق الفائز يدخل شباك خصمه كل دقيقة وأربعين ثانية (..) وهنا الغرابة، وليست الغرابة في تسجيل كل هذا العدد، إذ أننا نضع في الحسبان الشلل التام الذي أصاب الفريق الخصم. ولا أكتمكم أنني رحت أبحث عن أرقام أخرى شبيهة بهذه النتيجة لأنني قبل 15 سنة قرأت أن الرقم القياسي سجله فريق كاميروني فاز بنتيجة 47 هدفا مقابل صفر (..) فجاءت نتيجة النساء الإنجليزيات للتفوق عليه بثلاثة أهداف.. غير أنني عثرت في أحد المواقع الإلكترونية على خبر مفاده أن أكبر نتيجة في عالم كرة القدم انتهت 134 هدفا مقابل هدف واحد حينما فاز فريق ''آيلندن'' على ''ملادوست'' في الدوري اليوغسلافي عام 1979 أي قبل انهيار إمبراطورية الماريشال تيتو.. ولم أكد أفرح بهذا الرقم حتى وجدت رقما آخر تتزلزل له مملكة الشيخ بلاتر، فصارت نتيجة مباراتي نساء إنجلترا وقبلها مباراة الدوري اليوغسلافي في حكم الملغاة تماما من ذاكرة الأرقام القياسية.. ويقول الخبر إن في مدغشقر انتهت مباراة بين فريقين من أكبر فرق الدوري، قبل سبع سنوات، بنتيجة لا تحدث إلا في أفلام الصور المتحركة (..) وهي 149 هدف مقابل صفر.. إذ تعمد لاعبو فريق ''أولمبياد لميرن إس. أو. إي'' تسجيل الهدف تلو الآخر في مرماهم أمام دهشة الجمهور ولاعبي الفريق المنافس ''استاد أديما إس''. والسبب احتجاجا على حكم المباراة الذي أثار أعصابهم منذ البداية، فراحوا يمطرون شباكهم، بينما اكتفى الحكم طيلة الدقائق التسعين بعدّ الأهداف وتوثيقها في ورقة لا يكفي حجمها بتسجيل الدقائق وأرقام اللاعبين المسجلين.. إلى النهاية''. وللتعليق على هذه المباراة يمكن قول ما يلي: أولا، إن الحكم قام بعمله كما يشير إلى ذلك القانون، ولم يوقف المباراة، لأنه لا يوجد ما يبرر توقيفها، حتى وإن تسبب في إثارة أعصاب الفريق الذي أقدم على فعلته هذه، وهو ليس الحكم الأول الذي يدفع فريقا إلى الغضب وتوتر الأعصاب. ثانيا، إن لاعبي ''أولمبياد لميرن إس. أو. إي'' كانوا يسجلون الهدف ويأخذون الكرة إلى نقطة وسط الملعب، ثم يعودون بها إلى شباكهم، مدة 90 دقيقة متواصلة، أي أنهم كانوا يحترمون قانون اللعبة، ليعبّروا عن غضبهم بطريق قانونية ومتحضرة جدا. ثالثا، والأمر يتعلق بفريق ''استاد أديما إس'' الذي قضى تسعين دقيقة يتفرج على مشهد مثير، ولم يقم بحركة واحدة، في اتجاه مرمى المنافس الذي كفاهم شر تسجيل 149 هدف في مباراة واحدة، وربما لن يسجلوا عددا كهذا في خمسة أو ستة مواسم.. رابعا، وهنا الغرابة، كم استهلك الهدف الواحد زمنيا من بين 149 هدف سجلها لاعبو نادي أولمبياد في شباكهم؟ بحساب بسيط نصل إلى أن الأولمبياد يسجل كل 40 ثانية هدفا أو أقل، أي أن الرحلة من الشباك إلى وسط الملعب وهي 60 مترا تتم في 20 ثانية، والعودة 20 ثانية، وهو ما يؤهلهم لممارسة ألعاب القوى.. ولن يحقق أي فريق رقما كهذا ولو كان لاعبوه يتقدمهم نجوم أمثال زيدان ورونالدينيو وميسي وكريستيانو.. فتحية للاعبي الأولمبياد الذين بذلوا جهدا بدنيا لا يقوم به إلا من يمارس لعبة السباعي أو العشاري في ألعاب القوى وحققوا من الأهداف ما لا يتحقق في مباراة لكرة السلة، ولو كانت بين فريق الأحلام الأمريكي وفريق ناشئ من جزر القمر أو الرأس الأخضر.. خامسا، لا أعرف تبعات هذا اللقاء الذي انتهى بنتيجة خيالية، مع احترام قواعد كرة القدم، فهل كان للاتحاد الملغاشي رأي آخر؟ وهل تم احتساب الأهداف ال 149 وهل يعد مسجل أكبر عدد منها هدافا للدوري بالمقلوب؟ وهل قبل فريق ''استاد أديما إس'' بالأمر الواقع؟ وكيف كان رد فعل الجمهور؟ هل كان يصفق أم يصفر أم يعدّ الأهداف مع الحكم؟ لا أدري.. لكن المعلومة صحيحة.. وعاشت كرة القدم. إن مثل هذه الطرائف الواقعية التي تشهدها مباريات كرة القدم، تكشف أن أعظم نتائج هذه اللعبة هي التي لا تتجاوز الثلاثة أهداف، وأحلاها التي لا تتجاوز الخمسة أهداف، وأكثر إزعاجا هي التي تصل إلى العشرة أهداف، وما فوق ذلك هو عبث لا غير. فكرة القدم تظل اللعبة الأجمل في العالم، لكنها قد تتحول إلى اللعبة الأسخف بين الرياضات عندما تتحول إلى تصفية حسابات وبيع وشراء وضحك على ذقون الناس السذج الذين يدفعون مبالغ كبيرة في سبيل الفرجة والمتعة.. وكل 149 هدف وأنتم عشاق للكرة.