المواطنون لا يفهمون سبب ندرة اللقاحات واختفائها من المستوصفات والعيادات في الوقت الذي تطمئن وزارة الصحة وإصلاح المستشفيات بالتطبيق الحسن للبرنامج الوطني للتلقيحات (التطعيمات) وسلامته من أي تذبذبات، تعرف مختلف القطاعات الصحية والمستشفيات نقصا ملحوظا في التموين باللقاحات وباستحالة استفادة ال 800 ألف مولود جديد سنويا من التحصين ضد الأمراض. من العيادة متعددة الخدمات لاسطاوالي بالعاصمة، انطلقنا في جولة للوقوف على معاناة الآباء والأمهات بحثا عن لقاحات أدرجت ضمن السلم الوطني للتطعيم، والتي كان من المفروض أن يستفيد منها الرضيع تلقائيا بعد الولادة وخلال الأشهر التي تليها، وهنالك وجدنا عشرات الآباء حمّلونا رسالة الكتابة عن معاناتهم في البحث عن اللقاح الذي بات مفقودا. يقول سمير، ''32 سنة''، رزق منذ أكثر من شهرين بأول صبي، إن معاناته بدأت من لقاح من المفروض أن يكون متوفرا في أي وقت، ويتعلق الأمر بلقاح مضاد لالتهاب الكبد الفيروسي، الموجه للأطفال حديثي الولادة والذين لم يتجاوز سنهم 30 يوما على الأقصى ''لكن يظهر أن فقدانه في المراكز الصحية بات أكثر من ندرة البطاطا''. بلد غني بالبترول يفتقر لحقنة ويؤكد سمير أنه قصد العيادات الخاصة طلبا لنفس اللقاح، مقابل أي مبلغ لكن دون جدوى، متسائلا: ''أود أن أعرف أين يكمن المشكل.. يقولون لنا هنا في المركز إن تغطية الطلب على مختلف اللقاحات بلغت ال100 بالمائة لكننا نقف على نقصها في الجزائر العاصمة، والله أعلم بالوضع في المداشر والقرى في الولايات الداخلية''. وبنفس العيادة، وجدنا محمد الذي اصطحب أخته قصد تلقيح ابنتها ذات الشهرين: ''عجبا لبلد غني بالبترول ويفتقر لحقنة تطعيم ضد البوصفاير لحماية أطفاله؟''، ليؤكد على أنها خامس مرة يقصد فيها رفقة شقيقته المستوصف لكن دون جدوى، حيث إنه في المرة الوحيدة الذي توفر فيه اللقاح امتنعت الممرضة عن تلقيح الرضيعة بحجة أنها تعاني من حمى. وعن المشكلة، أكدت مختصة في أمراض الأطفال بذات العيادة أنه ''عوض السير العادي لمسار التلقيح، وجد الآباء أنفسهم في دوامة البحث عن اللقاحات في تنقلهم من عيادة لأخرى''، مضيفة أن مصلحة الطفل والأم تستقبل يوميا قرابة ال70 طفلا، لكن الرد يكون دوما ''لقاحات غير متوفرة''. وبالعيادة متعددة الخدمات بحي الينابيع، وبمكتب الأمومة والطفل، تفاجأنا بتعليق تعليمة إدارية تفيد بوصول كمية من اللقاحات ومن ضمنها اللقاح المضاد لالتهاب الكبد الفيروسي، غير أن إحدى السيدات اللواتي قدمن للاستفسار عن موعد التلقيح أوضحت لنا بأن الإعلان مجرد حبر على ورق ولا يوجد أي أثر للقاح. وأضافت: ''يريدون تغليطنا لا غير، وإلا كيف تفسرون توفر 10 جرعات فقط من لقاح ''اش بي في'' الخاص بالشهر الأول، لكن لن يتم استعمالها قبل بداية شهر ماي!''. وللتأكد من صحة تصريحات هؤلاء الأمهات، تقدمت بصفتي أما أستفسر عن موعد لتلقيح ابني، فطُلب مني تسجيل اسمه على قائمة كانت تحوي 8 أسماء في انتظار استكمال تسجيل اسمين آخرين وتغلق القائمة التي سيستفيد أصحابها المحظوظون من التلقيح بداية ماي، في حين يظل اللقاحان الخاصان بالشهرين والثلاثة أشهر منعدمين تماما، مع الإشارة إلى أن الرضع المعنيين بالتلقيح تجاوزا المدة المخصصة لتلقيحهم بأشهر. فمثلا تقول السيدة مريم التي اصطحبت ابنتها ذات الخمسة أشهر، إنها جاءت لتحجز جرعة لقاح في قائمة التلقيح الخاص بالشهر الأول. مستقبل مخيف وعن موعد جلب كميات أخرى، نفت المشرفة على التلقيحات لذات العيادة أن يكون هناك جديد في الأفق، مضيفة أنهم مقبلون على فترات ندرة أكثر حدة مستقبلا، وهو ما أكدته من جهتها إحدى الممرضات بعيادتي كل من حي العاشور وحي محي الدين بالجزائر العاصمة، اللتين تستقبلان يوميا ما بين 70 إلى 80 رضيعا بغرض التلقيح الذي لم يتم لحد الآن. أمام هذه الوضعية التي يروح ضحيتها أطفال جاؤوا إلى الدنيا ليلقوا على أيدي الكبار أولى جلسات التعذيب النفسي وهم في لفائف (القماطة)، يتعرض الطاقم شبه الطبي في كل مرة إلى مواقف لا يحسد عليها.. بسبب السب والشتم وكأنهم هم المسؤول الأول والأخير عن هكذا وضع مزرٍ. وفي حي جسر قسنطينة، كانت الصورة نفسها، نساء يحضرن باكرا في الحر والبرد ويجلسن أكثر من ساعتين في انتظار وصول جرعة لقاح لم تأت في ذلك اليوم. بالموازاة مع ذلك، يؤكد آباء ل''الخبر''، أنهم اضطروا للتأخر عن أعمالهم ووظائفهم بسبب اللقاح. وفي هذا الصدد، تقول السيدة نورة من العاشور: ''اضطر زوجي لمرافقتي على مدى شهرين كاملين إلى المركز الصحي وفي كل مرة تقابلنا المشرفة على التلقيحات، وتطلب منا الرجوع بعد يومين لأن كمية جديدة من اللقاح ستصل''. نفس السيناريو تكررت مشاهده في حي العناصر والرويسو وديار العافية وحسين داي وحي باب الواد، وكان الجواب المشترك لدى المسؤولين على مكاتب الأم والطفل ''غير موجود ولا ندري متى يتوفر''. ميزانية ب3 ملايير دينار واللقاح مفقود يحدث هذا في الوقت الذي كشف وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، جمال ولد عباس، في تصريحاته الكثيرة حول مشكل اللقاحات، أن ''الدولة الجزائرية تحرص على توفير مختلف اللقاحات بدليل تسليمهم لمعهد باستور غلافا ماليا بقيمة 3 ملايير دينار تسدد على مدار 10 سنوات بفائدة 01 بالمائة''، لا لشيء إلا لتفادي الندرة في عام .2012 وليس هذا هو حال العاصمة فقط، إذ تشهد مختلف العيادات متعددة الخدمات بولايات الوطن، حسب معاينات ميدانية، ندرة في اللقاحات الخاصة بالسل والكزاز والسعال الديكي والشلل والتهاب الكبد الفيروسي، وأدى نفاد مخزون اللقاحات بالأولياء إلى شن رحلة بحث عنه، إما في عيادات أخرى عبر المصحات بنوعيها الخاص والعمومي في الولايات أو شرائه بمبالغ خيالية. وتشترك العيادات العمومية في صورة وحيدة لنسوة يحملن فلذات أكبادهن والحيرة مرتسمة على محياهن وحالة من الاحتقان في أوساط الأولياء بسبب فشلهم في محاولات تطعيم أبنائهم، ما ولّد حالة من السخط والاستياء حتى لدى العاملين بالمراكز الصحية الذين صعب عليهم التأقلم مع الوضع الجديد، بسبب الاحتجاجات المتكررة للأولياء المقبلين على تلقيح فلذات أكبادهم في كل مرة.