الانتخابات الرئاسية المصرية قد تصبح فعلا تاريخا يؤرخ به لميلاد العالم العربي الجديد.. فلأول مرة في تاريخ العرب تجري انتخابات رئاسية تحمل كل دلالات ومعاني ووقائع الانتخابات التي تحمل كل الاحتمالات.. انتخابات ليس فيها حديث عن تزوير تقوم به السلطة القائمة.. أو تحايل على الناخبين أو المرشحين، وكل ما هناك من تجاوزات كانت فقط تتعلق بمسائل موضوعية تخص النقائص الموضوعية لإجراء أول عملية انتخابية حرة وشفافة في بلد مايزال يحبو نحو مثل هذه الممارسة الديمقراطية الراقية. مصر بالفعل تضع الآن الأسس لنظام سياسي بنقل البلد والمنطقة برمتها من حالة إلى حالة، ومن عصر إلى عصر.. وما يحدث في مصر لن تكون آثاره خاصة لمصر وحدها، ورياح ذلك ستهب على العديد من البلدان العربية لا محالة، نعم التوانسة سبقوا المصريين إلى الثورة... لكن المصريين سبقوا كل العرب إلى الشروع في وضع أسس نظام سياسي يضع مصر والعرب على طريق آخر لم تشهد المنطقة حالة السير في مثله، إنها بداية عصر جديد في بلاد العرب. ما أجمل أن يعيش الإنسان مع المصريين، وفي بلد عربي شقيق، حالة انتخابات رئاسية ليس فيها حكاية الرئيس المحسوم والمعروف مسبق.. أو الرئيس الذي يتم طبخه بالتحايل على الناخبين عبر طبخ انتخابات بالأرانب! كما تطبخ حرائر مصر الملوخية بالأرانب! والأجمل من هذا كله أن رئاسيات مصر هذه كانت بالفعل رئاسيات فيها السباق على أشده بين مرشح الفلول.. ومرشح القوى الجديدة الصاعدة، ومرشح التغيير مع الاستمرارية، ومرشح خارج كل هذه الأطر.. وأن الصراع بين المرشحين كان غاية في التحضر والمنافسة الشريفة.. والتناطح بالبرامج والأفكار وليس التنابز بالسفاسف! شيء واحد، وهو أن الأعلام المصري رغم محاولة ارتقائه إلى مستوى هذا الحدث التاريخي في مصر والعرب لم يتخلص من نقائص السلبية الموروثة عن العهد البائد.. فقد لاحظنا مثلا أن الإعلام المصري يقوم بالإعلان عن برامج المرشحين السياسية بنفس الأساليب التي يمارسها هذا الإعلام من الإعلان عن السلع الاستهلاكية.. فما يزال الإعلام المصري لا يفرق بين أساليب التسويق السياسي للمرشحين وأساليب التسويق التجاري للسلع! ومع ذلك فإن ما حدث في رئاسيات مصر يعد بالفعل بمثابة وضع حجر الأساس لبناء نظام سياسي في مصر راسخ الأركان والأسس كالأهرامات. نعم بعد الذي حدث اليوم في مصر، وفي رئاسيات مصر، فإنه يصعب على أي بلد عربي مستقبلا أن يجري انتخابات رئاسية فيها تحايل سياسي أو تزوير أو حتى انتخابات محسومة مسبقا بما يسمى بالتحالف أو الإجماع أو أي صيغة من الصيغ النجسة التي تصادر حق الشعب في اختبار حكامه.. أنه بالفعل حدث القرن في الوطن العربي.. بلا منازع!