كشفت المؤرخة الفرنسية سيلفي ثينول، أن الجيل الجديد من المؤرخين الفرنسيين بصدد تعلم اللغة العربية من أجل بلوغ تصور جديد لكتابة تاريخ الاستعمار الفرنسي بالجزائر. وأوضحت أن هذا الجيل يسعى لتخليص تاريخ فرنسا في مستعمراتها من النظرة الوطنية، ويدعو إلى تقديم تصور من منظور جديد لا يهمّش سكان المستعمرات. ذكرت سيلفي ثينول، في محاضرة ألقتها أول أمس، بالمعهد الفرنسي بالجزائر، حول مسألة ''تدوين تاريخ الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية في فرنسا''، أن الكتابات التاريخية الفرنسية، التي تناولت حرب الجزائر، عرفت تحولات جديدة في السنوات الأخيرة، بعد أن طالت الشيخوخة كتابات الرواد. واعتبرت ثينول أن كتابات الرواد التي بدأت تبرز منذ الستينيات قيل عنها الكثير، ولم تحظ بالإجماع سواء كان لدى الطرف الفرنسي أو الجزائري. وركزت على مؤلفات شارل روبير آجيرون وأندري جوليان التي وُصفت بالكتابات التي تتمحور حول فكرة ''الفرص الضائعة''. وقالت ثينول الباحثة في ''المركز الوطني للأبحاث العلمية'' (سي. آن. أر. أس): ''ما كتبه هذان المؤرخان لم يتقبله الطرف الجزائري بحجة أنه يتحسر على ضياع المستعمرات من فرنسا، بسبب عدم نجاح الإصلاحات، وهذا غير صحيح لأن آجرون وجوليان، كلاهما كان مناصرا للاستقلال، لكن ليس بالطريقة العنيفة، وهما أصحاب تصور مختلف يقوم على الإصلاح السياسي''. وجاء في محاضرة ثينول التي ناقشت رسالة دكتوراه في التاريخ حول موضوع ''العدالة الفرنسية في الجزائر''، وصدرت في كتاب بعنوان ''عدالة مضحكة...القضاة خلال حرب الجزائر''، أن التركيز على مرحلة حرب الجزائر لكتابة تاريخ الاستعمار الفرنسي، أدى في السنوات الأخيرة إلى العودة إلى ما قبل قيام حرب التحرير الجزائرية، بحيث حاول الجيل الجديد من المؤرخين الفرنسيين معرفة أسباب قيام الثورة. وتعتقد المحاضرة أن كتاب ''كمين باليسترو'' للباحثة رافاييل برانس يندرج ضمن هذا التصور. وقالت ثينول إن رافاييل برانش درست الكمين الذي نصبه كوموندو من الولاية الرابعة يدعى كوموندو علي خوجة يوم 18 ماي 1956واستهدف دورية من الجيش الفرنسي بالأخضرية لمعرفة أسباب تحول الجزائريين إلى الخيار الثوري، فعادت إلى مسألة ''تجريد الجزائريين من أراضيهم من قبل الإدارة الفرنسية لمعرفة الأسباب الحقيقية للثورة.ولفتت المحاضرة الانتباه إلى ما أسمته تحوّل موضوع ''حرب الجزائر'' إلى موضوع عالمي يثير اهتمام الباحثين في ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية، وهذه الظاهرة لا يمكن نكرانها حسب ثينول لفهم التطور الحاصل في السنوات الأخيرة بشأن ''كتابة تاريخ الاستعمار الفرنسي''. موضحة أن عدة مؤرخين من ألمانيا وأمريكا تعلموا بدورهم اللغة العربية وتمكنوا من قراءة النصوص الأصلية الخاصة بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين. وبخصوص الدعوة إلى كتابة مشتركة بين المؤرخين الجزائريين والفرنسيين، قالت ثينول إن ''هذه المسألة نسبية، وليست سهلة نظرا لوجود عدة عقبات منها عدم بروز جيل جديد من المؤرخين الجزائريين''.