ولد الشيخ محمد بن محمود بن محمد بن حسين المعروف بابن العنابي سنة1189ه /1775م، من أسرة جزائرية كان لها اعتبارها الديني والفكري، عاصر الثورة الفرنسية وما نتج عنها من أحداث مسّت جوانب متعدّدة من الحضارة الإسلامية، كما عاصر في بلاده الجزائر حروبًا خارجية خاصة ضدّ الإنجليز والأمريكيين والفرنسيين والإسبان وغيرهم. تولّى بعض أفراد عائلته مناصب دينية وسياسية وفكرية، فقد تولّى جده الأكبر (حسين بن محمد) الإفتاء الحنفي كمنصب لشيخ الإسلام (لا يفوقه في الاعتبار سوى الداي أو رئيس الدولة)، واشتهر جده الأدنى (محمد بن حسين) بالعلم وحظي بالتّقدير الكبير ممّا رشّح ابن العنابي للوظائف، تساعده في كلّ ذلك إمكانياته الفكرية الّتي فرضت احترامه وتقديره. أخذ ابن العنابي العلم عن جدّه ثمّ والده، فالمفتي المالكي علي بن عبد القادر بن الأمين سنة 1820م، الأمر الّذي مكّنه من التفتُّح على مشاكل العصر والتفاعل معها، حيث جاءت ثقافته من اهتمامه الشّخصي بالدرجة الأولى، ومن تقاليد أسرته بالدرجة الثانية. فتلقّى علومه على عدد من كبار الأساتذة يومئذ، كما أمدته تقاليد أسرته بتراث غزير. ولاّه الداي أحمد باشا منصب القضاء الحنفي إلى جانب مهمّة ثانية وهي الكتابة إلى باي تونس، ثمّ يكلّف في عهد عمر باشا بسفارة للمغرب الأقصى. وقد أضحى ابن العنابي، خلال السنة الأولى من الاحتلال الفرنسي للجزائر، موضع شبهة من سلطات الاحتلال خاصة عندما أجبره كلوزيل على تسليم بعض المساجد لجعلها مستشفيات للجيش، وقد اتّسمت لهجة ابن العنابي بالنقد للسلطات الفرنسية على خرقها للاتفاق الموقع بين الداي حسين باشا والكونت دي بورمون ممّا جعل كلوزيل يضيق به ذرعًا، فاعتزم على وضع حدّ له، فتمّ إلقاء القبض عليه من طرف رجال الدرك وقادوه إلى السجن، كما أهينت أسرته بدعوى تدبير مؤامرة ضدّ الفرنسيين، وإعادة الحكم الإسلامي للجزائر ثمّ قرّر كلوزيل نفيه من الجزائر في مهلة ضيّقة، ثمّ ترك وطنه لآخر مرّة قبل نهاية 1831م وانتهى إلى مصر، فأقام بالإسكندرية حيث ولاه محمد علي باشا وظيفة الفتوى الحنفية بهذه المدينة. توفي ابن العنابي سنة 1851م بمصر، وقد ترك العديد من المراسلات في العديد من المواضيع خاصة الدينية منها وأشعارًا وكتبًا.