عندما تحدث انقطاعات في التيار الكهربائي بأغلب مدن الجزائر، الكبيرة منها والصغيرة، ولأوقات طويلة، تسقط كل مبررات المسؤولين الذين يتحججون منذ سنوات بالاستعمال ''المفرط'' للمكيفات ومختلف الآلات الكهرومنزلية. ويتكرس تفسير المواطن الذي يؤكد أن سبب البلاء هو فشل المسؤولين وعجزهم ''المستدام'' عن تسيير شؤونه. كلما حل فصل الصيف، تعرف أغلب مناطق الوطن أزمة كهرباء تتفاقم من سنة إلى أخرى، وتحول حياة الناس إلى جحيم، دون أن يعمل المسؤولون المتعاقبون على تجاوزها، رغم أن البلاد تتوفر على الأموال وعلى كل المستلزمات والشروط الضرورية لإنجاز محطات جديدة لتوليد الكهرباء في كل مناطق الوطن، فأين الخلل؟ لماذا لم تحدث الاستثمارات اللازمة وفي الوقت اللازم للاستجابة للحاجيات المتزايدة؟ ولماذا يكتفي المسؤولون، كل سنة، بتوجيه اللوم للمواطن على إفراطه في استهلاك الطاقة، وتوبيخه على استعمال مكيف الهواء، حتى وإن بلغت درجة الحرارة الخمسين؟ مأساتنا أن أغلب الذين يتولون أمورنا مجرد ''متعاونين تقنيين'' لا يتقاسمون مع المواطن شيئا ولا يحسون بمعاناته ولا ينزعجون لبقاء نفس المشاكل مطروحة لسنوات طويلة، لأنهم غير معنيين بها، فعائلاتهم إما في الخارج أو في محمية الدولة بنادي الصنوبر حيث يتوفر كل شيء. وكم أود أن أرى وجوه هؤلاء المسؤولين وردود فعلهم أمام أبنائهم وزوجاتهم، لو كان التيار الكهربائي يوزع بالتناوب بين نادي الصنوبر وأحد أحياء الجزائر العميقة، ولو كان الماء يغيب أيضا عن حنفيات محمية الدولة، أياما طويلة مثلما يغيب عن منازل المواطنين. مأساة المواطن أنه يدفع دائما فاتورة عجز هؤلاء ''المتعاونين التقنيين'' الذين يحملونه في كل مرة تداعيات فشلهم في تسيير قطاعاتهم، وذلك لأنهم في الواقع لا يسيرون سوى مساراتهم الإدارية أو السياسية وما يتبعها من ''منافع ومغانم''، أما قضايا المواطن فلا مكان لها في برامجهم، فهم لا يفكرون ولا يتوقعون، وهو أحد أهم أسباب تراكم المشاكل وتكدسها، لتتكرر كل سنة مشكلة إرهاقا للمواطن. لقد سلط علينا هذا النظام مسؤولين يحسنون الاستفادة من الريع، ويعرفون كيف يتموقعون، وكيف يتجددون ويتأقلمون مع متطلبات كل مرحلة، طبعا من منظور النظام، لكنهم لا يرغبون أبدا في العمل ولا يحسنونه، ولا يريدون تعلمه، لأنهم ببساطة لا يؤمنون إلا بما هو منفعة مادية.