الأحزاب السياسية ضعيفة، قضية الشرعية لدى زعماء الأحزاب، الانشقاقات التي تحدث داخل الأحزاب تشمل الكبيرة كما الصغيرة، السلطة لا تريد أحزابا قوية وتمارس التعفن، عدم وضوح الخارطة السياسية في الجزائر، غياب الديمقراطية عن الأحزاب وعدم وجود مبدأ التداول على المناصب، أغلب الانشقاقات التي تعرفها الأحزاب السياسية تقع خلال فترة الانتخابات، الخلافات داخل الأحزاب تعدت إلى حد الاعتداءات الجسدية، الأحزاب السياسية مريضة بداء زعامة رؤسائها، الرداءة استفحلت داخل الأحزاب، إشكالية نقل السلطة إلى الأجيال الجديدة وبناء دولة القانون يمر عبر تطوير الأحزاب. كانت هذه أهم المحاور التي دار حولها النقاش حول موضوع ظاهرة الانشقاقات في الأحزاب الذي نشطه كل من الأستاذ الجامعي عبد العزيز جراد، وأستاذ علم الاجتماع الزوبير عروس، ورئيس حزب «جيل جديد» جيلالي سفيان، ورئيس جبهة «الجزائرالجديدة» جمال بن عبد السلام، حيث أثارت الطروحات التي قدموها في مستهل حديثهم عن هذه الظاهرة عدة تساؤلات واستفهامات من طرف الحضور على نحو ما ذهب إليه ناصر جابي أستاذ علم الاجتماع، حيث يرى أن هناك سببين إثنين أديا إلى بروز ظاهرة الانشقاقات داخل الأحزاب، أولها أن الأحزاب في الجزائر ما تزال ضعيفة الحضور لا تتعدى نسبة 2?، حسب بعض الإحصائيات، مما جعلها تعاني من مشكلة الثقة. أما السبب الثاني فيكمن في أن السلطة لم تعرف لحد الآن بالأحزاب، وهو ما أفرز نمطا معينا يتمثل أساسا في أن المناضلين داخل حزب معين ينخرطون وفق مواصفات معينة، وأن الحزب الذي يفوز في الانتخابات لا يدخل السلطة، ناهيك عن أن هذا المناضل لا يجد نقاشات داخل الحزب. وفي جانب آخر من الإشكال المطروح، يرى ناصر جابي أن هناك مسألة الشرعية لزعماء الأحزاب، حيث أننا اليوم أمام أحزاب مكونة من ضباط فقط دون جنود، على منوال أحزاب مثل «حمس» و«النهضة» التي ينحدر قادتها من مدن صغيرة وتكونوا حديثا ويريدون الوصول إلى السلطة وأغلبهم يفتقدون إلى الشرعية، وبالتالي فإن الانشقاقات داخل الأحزاب ستتواصل مستقبلا خاصة في ظل غياب إرادة من طرف السلطة في تواجد أحزاب سياسية قوية بالسلطة. عدم وضوح الخارطة السياسية في الجزائر من بين النقاط التي نالت حصة الأسد من النقاش الذي أعقب تدخل الأساتذة، هو الاتفاق شبه الكلي على أن ظاهرة الانشقاقات التي تعيشها الأحزاب لا تخص حزبا دون آخر، كما أنها تشمل الأحزاب الكبيرة كما الصغيرة على منوال ما يحدث مثلا حاليا في جبهة التحرير الوطني، الأفافاس. ومهما تعددت الأسباب التي تؤدي إلى حدوث هذه الانشقاقات، فإن سيطرة فكر الزعامة التي ولدت أزمة في الشق السياسي، كما أن السلطة لا تريد بلورة صورة حقيقية تعبّر عن الواقع الاجتماعي، وهو ما ساهم في بقاء معالم الخارطة السياسية في الجزائر غير واضحة، ولعل السؤال الذي يبقى مطروحا، وفي حاجة إلى إجابات مقنعة هو هل هناك اليوم ديمقراطية في الأحزاب، فالإسلاميون مثلا يقولون إنهم يؤمنون بالديمقراطية والأفلان يعتبر نفسه ديمقراطيا كما هو الحال كذلك داخل الأفافاس. وفي هذا الصدد، فقد اعتبر الأستاذ الزوبير عروس أن غياب الديمقراطية عن الأحزاب وعدم احترام هذه الأخيرة للقوانين الداخلية التي تنظم نشاطها وتحدد قناعاتها خاصة ما تعلق بمبدأ التداول على المناصب، حيث أن كل رئيس حزب يريد البقاء في السلطة إلى الأبد، كما أن التغييرات التي تجري داخل الأحزاب تتم بطريقة فوقية مما ينتج صدامات، وكل هذا يحدث لسبب واحد وهو أن الكل يبحث عن المصالح والنجاح في المواعيد الانتخابية. إحتكار السلطة أدى إلى صدامات رغم تعدد الأسباب والمشاكل التي أدت إلى حدوث انشقاقات وصدامات بين مناضلي الحزب الواحد، يبقى عامل احتكار السلطة من شخص واحد وهيمنته على كل القرارات، وكذا تنصيب نفسه كقائد يعرف كل شيء الذي بإمكانه أن يفعل ما يريد، وفي حالة غياب هذه القيادات يصبح الكل متساويا داخل هذه الأحزاب. وتكفي نظرة بسيطة إلى المشهد الحالي للأحزاب لتبرر لنا صورة عن الممارسات والقناعات التي توجد لدى قادة هذه الأحزاب بدءا من الأفلان الذي ما يزال يطبق ذهنية الحزب الواحد أو الأفافاس الذي ما يزال يحتكر السلطة مثل بقية الأحزاب الأخرى خاصة الإسلامية منها، مما ولد الرداءة داخل الأحزاب وجنوح مناضليها إلى البحث عن كل الطرق التي تؤدي إلى السلطة، وهو ما جعل رئيس حزب «جيل جديد» جيلالي، يرى بأن بداية الديمقراطية في الجزائر تمر حتما عبر رحيل النظام القديم وعلى الأجيال الحالية أن تعوض رموزه من خلال مجيء أحزاب جديدة بأفكار جديدة. وذهب رئيس حزب جبهة الجزائرالجديدة جمال بن عبد السلام، عندما أشار خلال تحليله للوضع السياسي الحالي إلى أن السلطة تمارس التعفن وقوتها في شراء الذمم وخنق الأحزاب السياسية ومنعها من الظهور في التلفزيون. وبالمختصر، فإن السلطة تريد أن تصبح الأحزاب أدوات للتلميع ليس إلا. وإذا كان خلق أحزاب سياسية قوية يمر حتما عبر استقرارها وتوفر الحريات داخلها لضمان البناء السليم لها، فإن ذلك مرهون بعدم بقاء الأحزاب مرتبطة بالأشخاص بدل البرامج، وماعدا ذلك فإن الانشقاقات الحالية أدت إلى حد الآن إلى بروز ثلاث حالات داخل الحزب، الأولى تظل مرتبطة بالحزب، والثانية تتجه لتكوين حزب جديد، والثالثة تتخلى وتنسحب تماما.