يتحدث الشاعر العراقي، فالح ناصف الحجية الكيلاني، في حوار خص به ''الخبر''، عن مساهمة الاحتلال في هدم حضارة عريقة ببلاد الرافدين، لكسر كل مقومات النهضة بها مستقبلا، فضلا عن تشريحه واقع حال المثقف في الدول العربية، وأمور أخرى تطالعونها في هذا اللقاء الذي جمعنا بعميد الشعراء في العراق. بعد قرابة أربعة عقود من العطاء ونشرك أزيد من 30 مؤلفا، كيف تقيّم تجربتك في مجال الشعر والأدب؟ أحببت الشعر والأدب منذ الطفولة، ونشرت أولى قصائدي سنة 1967، تحت عنوان ''زهرة ذابلة''، وكنت، حينها، أجهل الوزن والكثير من أموره، إلى غاية نشري أول مجموعة شعرية ''نفثات القلب'' سنة .1978 أما في مجال الأدب، فقد كتبت مؤلف ''الأدب والفن''، وهو مجموعة مقالات في الثقافة والأدب، وكذا كتاب ''الموجز في الشعر العربي'' بأجزائه الأربعة، والذي أعتبره مفخرة لكتاباتي. وعن تقييمي لتجربتي، فأتركها للمتلقين من نقاد وقراء. شغلت منصب مدير بوزارة التربية العراقية، وكنت من الفاعلين في صياغة المشهد التربوي في البلاد، إلى غاية إحالتك على التقاعد سنة 2001، ما الذي اختلف الآن بعد 9 سنوات من الاحتلال؟ العملية التربوية في العراق تأثرت سلبا بنظام الحكم القائم، من حيث القوة والضعف بشخصية العاملين على العملية التربوية وتنفيذها، ونظرا لمرور هذا البلد بحروب ونكبات قاسية فرضت عليها، أدى ذلك إلى العزوف عن التعليم، بدءًا من مراحله الأولى، بسبب الهجرة الجماعية للأدمغة إلى الخارج بعد الغزو الأمريكي، لينعكس ذلك على الشهادة العراقية التي أصبحت أقل قيمة عالميا، كما شهدت المناهج الدراسية تغيّرا في الدروس الإنسانية والوطنية، حتى تتلاءم مع ما جاء به المحتل من أفكار ومفاهيم، وما تقرّه السلطة وتعمل على حذفه من المناهج، تبعا لما يحقق النظريات التي تريدها. يرى الكثير من المحللين أن الإبداع الأدبي في العراق تراجع، مقارنة بسنوات ما قبل الغزو الأمريكي، ما رأيك؟ صراحة، الإبداع الأدبي تراجع كثيرا في عراقنا الحبيب، لا سيما مع اضطرار الكثير من الأدباء والشعراء للهجرة نحو الخارج، فتراهم مشرذمين في كل دول العالم، بعد أن كانوا في وقت سابق ينشرون في كل يوم كتابا واحدا على الأقل في الثقافة والأدب. أما، الآن، فاستحواذ الطائفية على الأدب، دفعت بإصداراتنا إلى النشر خارج العراق، بعد أن تغيّر وجه الإبداع من العربي المشرقي إلى آخر تطغى عليه مسحة القرون الوسطى أو الطائفية. وكيف ترى مستقبل الأدب في العراق، بعد إتلاف جزء كبير من التراث الذي طمسه المستعمر؟ نحن، حاليا، في حاجة ماسة إلى وزارة حازمة للثقافة والفنون لا لوزارة شكلية، فضلا عن ضرورة وجود اتحاد للأدباء في العراق يجمع كل طوائفهم بشكل جدي، هذه سبل نهضة الأدب العراقي من جديد، فالثقافة في هذا البلد العزيز دمّرها المحتل وانتهت مكتبات بأكملها ما بين الحرق والتدمير والسرقة والتلف، بعد أن كانت تعدّ من أعظم المكتبات عالميا. وأؤكد أن الاستعمار له يد في تصفير حضارة البلد. كنت واحدا من جيل برز فيه عدة شعراء، منهم الراحل محمود درويش الذي كان صديقك، ما الذي أضافه احتكاكك به لشعرك؟ الأمة العربية أمة شاعرة، ولغتها شعرية في مفرداتها وأساليبها ومعانيها وبيانها وبلاغتها، كما لها قابلية للاستيعاب والأداء في الإبداع، وعندما كانت ولازالت قضية فلسطين هي إحدى القضايا العربية التي كتب عنها الشعراء، وكتبت عنها كثيرا مع صديقي الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش الذي استفدت من شعره كثيرا، كوننا من فئة عمرية واحدة. وبخصوص الاحتكاك، فاختلافنا في النشأة وقلة لقاءاتنا لبعد المسافة، جعلت تأثير شعر أي منا قليلا على الآخر، لكننا نتقارب كثيرا في وجهة نظرنا وآرائنا، فشعر درويش يتسم غالبا بالهدوء والمرونة، بينما شعري يتسم بالثورية وشدة الانفعال في الغالب. بحكم موقعك في الساحة الثقافية، إلى ماذا ترجع حالة الجفاف الثقافي التي مست الوطن العربي مؤخرا؟ أخالفك الرأي، فالأدب العربي لازال بحره غزيرا. لكن، ربما نضبت بعض قنوات روافده في العراق أو الجزائر، غير أنه لن يجف أبدا في مصر أو الخليج العربي، فأنت ترى ثورات ''الربيع العربي'' في كل بقعة، من أجل الانقلاب على الواقع الفاسد أو الذي بدا عليه الضعف والوهن، لأن الأدباء هم وقود الثورة وقادتها في كل زمان ومكان. يبقى المثقف الجزائري، رغم غزارة إنتاجه الإبداعي واحتلاله مراتب متقدمة في المشاركة عربيا، مغيّبا في معظم المناسبات بوطنه، كيف ترى الشعر في الجزائر؟ المثقف الجزائري بأدبه وشعره حاضر بقوة في القطر العربي أجمع، وإن كان الوضع يختلف داخل الجزائر فذلك أمر طبيعي، لأن الشعر عاطفة نفسية تنبثق من النفس الشاعرة، وربما شعراء المعاصرة في الجزائر أثّرت على بعضهم الفرنسة فابتعدوا عن عروبتهم. لذا، أدعوا الشباب المثقف ببلدكم، والذي أشهد بامتلاكه خزانا أدبيا هائلا، أن تكون نظرته شاملة وواضحة المعالم تجاه أمته العربية، وألا يكون فجوة ما بين بلده والأقطار الأخرى، فكلنا كتبنا لثورة الجزائر ول''الربيع العربي'' الحالي، دون خلفيات، كون الذي يجمعنا أكبر وأعمق.