قال المؤرخ الفرنسي، موريس فايس، إن الرئيس الفرنسي شارل ديغول لم يكن يملك الحرية التامة في فعل ما يشاء خلال مفاوضات إيفيان، لأن الجزائر كانت في نظر الفرنسيين جزءا من فرنسا، ومنحها استقلالها يعني فصلها عنها نهائيا. وأضاف فايس أن ديغول كان يؤمن بضرورة أن يشارك في المفاوضات سياسيون فرنسيون آخرون، ينتمون لتيارات سياسية مختلفة غير التيار الديغولي، فأقحم دوبري في المفاوضات، نظرا لأنه يمثل التيار الذي ظل ينادي بالجزائر الفرنسية. أوضح موريس فايس أن كتابه الصادر حديثا في الجزائر عن منشورات ''عالم الكلمات'' بعنوان ''نحو السلم في الجزائر.. اتفاقيات إيفيان في أرشيف الدبلوماسية الفرنسية'' (تقديم صادق سلام)، يحتوي على عدة وثائق تاريخية تنشر لأول مرة، منها مجموعة من المحاضر القضائية الخاصة باتفاقيات إيفيان، ومختلف الحوارات التي دارت بين ممثلي الطرفين، وهي مأخوذة من أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية. وقال فايس، أول أمس، في محاضرة ألقاها ضمن فعاليات الصالون الدولي للكتاب بقصر المعارض بالصنوبر البحري، إن كتابه يملك طابعا وثائقيا سيستفيد منه الباحثون والمؤرخون المختصون في تاريخ الثورة الجزائرية، واعتبر أن تلك الوثائق المنشورة في كتابه حول اتفاقيات إيفيان، والتي جرت في الفترة ما بين جانفي 1961 وجوان 1962 موجودة في فرنسا، وتكشف عن الجو المشحون الذي ساد خلال المفاوضات من خلال المناقشات. وأكد فايس أن المشاكل التي برزت بين الطرفين، الجزائري والفرنسي، من أجل الوصول إلى اتفاق للجلوس على طاولة المفاوضات لإيجاد حلّ، يمكن تلخيصها في ثلاث نقاط أساسية هي: ''مع من نتفاوض؟ أين نتفاوض؟ وحول ماذا نتفاوض؟''. موضحا أن الطرف الجزائري اقترح التفاوض مع وزراء الحكومة المؤقتة، وهو ما لم تقبل به الحكومة الفرنسية، لأن أعضاء الحكومة المؤقتة (بوضياف، بن بلة، آيت أحمد، خيضر وبيطاط) كانوا متواجدين في السجن. وبخصوص الافتراض الثاني، كان قائما على التحاور مع قادة الثورة في الداخل، لكن الحكومة الفرنسية كانت ستطلب منهم وضع السلاح، وهو الأمر الذي رفضه الطرف الجزائري، وأضحى أمرا مستحيلا بعد قضية سي صالح. أما الافتراض الثالث، فكان قائما على فكرة التفاوض مع الحركة الوطنية الجزائرية التابعة لمصالي الحاج، وهو الأمر الذي رفضته حزب جبهة التحرير الوطني، من منطلق أن الجبهة هي الممثل الوحيد للشعب الجزائري. وجرت المفاوضات التي تمت في سرية تامة، في ظروف صعبة، إذ صعّدت منظمة لو. آ. آس من عمليات الاغتيال التي طالت الجانبين الجزائري والفرنسي، من المدافعين عن فكرة استقلال الجزائر. وقال: ''كان يجب أيضا حماية الدبلوماسيين الفرنسيين المشاركين في المفاوضات، بمنحهم أوراق هوية مزيّفة، وتجنّب الكشف عن أسمائهم حتى لا يكونوا عرضة للاغتيال من طرف أعضاء لو. آ. آس. كما تعقدت المفاوضات بين الجانبين بسبب قضية الصحراء، ما أدى بالجانب الجزائري إلى العودة إلى قرارات مؤتمر الصومام للحفاظ على الوحدة الترابية''.