هزتني صرخة طفلة جزائرية دوّى صوتها هذه الأيام على شبكات التواصل الاجتماعي، وهي تلعن الأطباء الجزائريين، وتُثني على الأطباء الأمريكيين الذين تنقلوا، مؤخرا، طوعا إلى تونس، وأخضعوها لعملية جراحية أنقذت حياتها، رفقة أطفال آخرين لم يُسعفهم الحظ في العلاج داخل وطنهم الأم، فاستشعرتُ حجم المأساة التي يعاني منها الشعب المُبتلى في عافيته، وتذكرت الموقف الشهم والصنيع الإنساني الذي قام به الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود، رحمه الله، مع مريضة جزائرية استغاثت به، ذات يوم من شهر رمضان، بعد أن ضاقت بها السبل في بلدها، وضاعف الصد والإعراض معاناتها مع السقم الخبيث، رغم أنها ليست من رعيته، ولا من بني جلدته. ولمن لا يعلم، فإن الراحل سُلطان الخير، وهو من هو في مكانته ومنزلته، لبى نداء استغاثة نشرته المريضة فتيحة، رحمها الله، في جريدة ''الخبر'' وأرسلته عن طريق الفاكس، لتتحول حياتها رأسا على عقب، وتنقلب مأساتها، مع المرض الرئوي الحاد الذي عانت منه لعشر سنوات، من جحيم إلى نعيم، وأصبحت بقدرة قادر محط اهتمام أكبر الأطباء العالميين في أرقى المستشفيات، بعد أن كان فحصها من قبل أطباء متخصصين، في ولايتها بوهران، أمرا صعبا أقرب منه إلى أمنية شبه مستحيلة. نعم، سبق حياة فتيحة أجل الكتاب، ورحلت إلى العالم الآخر، وفي قلبها غُصة من الإهمال واللامبالاة اللذين تكبدتهما في بلدها ''جزائر العزة والكرامة''، ووطن ''ارفع راسك يابا''، لأن طول مدة المرض حال دون شفائها، غير أنها ماتت وهي عزيزة، تحتفظ بذكرى جميلة رسم خيوطها أمير أنفق عليها دون إقتار لمدة فاقت السنة، وسخر لها طائرة طبية خاصة مُجهزة بأحدث التقنيات نقلتها إلى مستشفى ''فوش'' الفرنسي، أين خضعت لعملية زرع رئا، غير أن الأجل كان أسرع، والعُمر كان مكتوبا بأقلام جفت، وصُحف طويت. إن هذا الموقف النبيل، الذي أسترجع شريطه اليوم من باب حفظ الجميل، يُوضح المأساة الكبيرة التي تعاني منها المنظومة الصحية في بلد خزائنه مملوءة وأرصدته مُثخنة بالأورو والدولار، ومع ذلك لا يجد أبناؤه الدواء الذي يلزمهم، ولا الرعاية الطبية التي تحتاجها أوضاعهم الصحية، فيموت أغلبهم بالحسرة قبل المرض، بينما تستنجد البقية الباقية بالهيئات الإنسانية، والجمعيات الخيرية الدولية، وحتى المتطوعين من الأطباء، مثلما حدث، قبل أسبوعين، في إحدى العيادات الخاصة بتونس، حيث تنقل فريق طبي أمريكي متطوع في مهمة إنسانية، تمكن بموجبها من إنقاذ حياة عدد من الأطفال الجزائريين يعانون من مرض ''سبينا بيفيدا'' بالمجان. لقد أصبح الجزائريون برُمتهم يدعون في صلواتهم بصوت واحد، دوام نعمة الصحة على قدر العمر، لأنهم يعلمون، علم اليقين، بأن المستشفيات باتت طريقا مُختصرا نحو العالم الآخر، وأن الداخل إليها ليس كالخارج منها، أما الثُلة المحظوظة من الوزراء والمسؤولين وأبنائهم، فالقضية غير مطروحة، لأن أي عارض صحي قد يلحقهم، فالمستشفيات الباريسية موجودة، والفاتورة طبعا على نفقة الخزينة العمومية. [email protected]