أبدعت أول أمس، فرق الرقص المشاركة في المهرجان الثقافي الدولي للرقص المعاصر، في طبعته الرابعة، حيث استمتع الجمهور الغفير، الذي توافد على قاعة قصر الثقافة مفدي زكريا، بعروض راقية وواعدة مثلتها كل من المغرب ومصر والجزائر وجمهورية الكونغو الديمقراطية. كانت الانطلاقة في السهرة الخامسة من منافسات المسابقة الرسمية للمهرجان مع العرض المغربي، الذي مثله كل من الكوريغرافي ومؤسس ''مهرجان مراكش للرقص المعاصر'' توفيق إيزيدو ورفيقه العازف على الفمبري عادل عميمي. ومزج العرض الذي يحمل عنوان ''ألف'' تعبيرا عن معنيين، الحرف الأول من الأبجدية العربية، وفعل يَلُفُ، بين العصرنة والحداثة، حيث غار في أعماق الوجود الإنساني منذ الإنسان البدائي إلى العصري المستهتر، مستخدما مرونة جسده الشديدة عند الحركة والدوران رمزا لحركة الزمن المتواصلة في حركة دائرية غير منقطعة. وقد أبدى الجمهور إعجابه بالعرض الذي دام أكثر من نصف ساعة على أنغام آلة الفمبري التقليدية والموسيقى الحديثة. يقول الكوريغرافي المغربي، إن العرض مقاربة فلسفية للوجود والهوية والانتماء بالعودة إلى الأصول عبر صور الطفولة الأولى إلى الشيخوخة. ولم يكد الجمهور يرتاح من انبهاره بالعرض المغربي، حتى أعطت ''فرقة الرقص المسرحي المعاصر'' الممثلة لجمهورية مصر، إشارة الانطلاق لعرضها المعنون ب''أعمق مما يدور على السطح'' وكانت البداية مع أبيات للشاعر محمود درويش ''أيها عابرون''، ورغم أن العرض لم يرق إلى المستوى المطلوب، إذ غاص في الرقصات الكلاسيكية، مع ضعف كبير في النسق الكوريغرافي، إلا أن بعض اللوحات استطاعت انتزاع تصفيقات الجمهور، الذي انتظر العرض الجزائري، مع البالي الوطني والكوريغرافي الشاب سفيان دريسي، مع عرض ''صراع الذات''، ويقدّم مفهوما للصراع بين العقل والقلب والرغبة أو الشهوة. واستحق العرض تشجيع الجمهور نظرا لتقنيات الرقص الحديث، التي تم الاعتماد عليها وليونة الراقصين اللذين مثلا القلب والعقل في الصراع، مع الموسيقى التي مزجت بين العصرنة والروحانيات، كاستعمال مقطع من الآذان ''حي على الفلاح''. وينتظر أن يكون العرض ضمن المتوهجين في المسابقة الرسمية. واستمتع الجمهور في الأخير مع عرض الكونغو الغربية، وفرقة ''إبداعات أكيم للرقص'' والمعنون ب''خليط الطاقة''، والذي يتحدث عن التناقض في إفريقيا، بين امتلاكها الثروات واستعباد أهلها واضطرارهم إلى طلب العون والصدقة. ورغم بساطة العرض، إلا أن عمقه الفلسفي أعطاه بعدا جماليا مختلفا عن باقي العروض.