روى الإمام ابن ماجه في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''سيأتي على النّاس سنواتٌ خدّاعات، يُصدَّقُ فيها الكاذب، ويكذَّبُ فيها الصّادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخوَّنُ فيها الأمين، وينطق فيها الرّويبضة، قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلّم في أمر العامة''. الرّويبضة: تصغير الرّابضة، وهو العاجز الّذي ربض عن معالي الأمور، وقعد عن طلبها. إنَّ المتأمِّل في واقع النّاس اليوم، وما نحن عليه، يعلَمُ يقينًا صدقَ ما أخبر به النّبيّ الكريم صلّى الله عليه وسلّم، ويتقيّن أنّنا في تلك السنين الّتي أخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأنّها ستأتي، ولقد أتت، فلقد صُدِّق، في هذا الزمن، الكاذب، وكُذِّب فيه الصّادق، وائتمن فيه الخائن، وخُوِّنَ فيه الأمين، وتكلّم الرويبضة في قضايا الأمّة العامَّة، وأُسند الأمر إلى غير أهله. إنّنا نعيش في زمان كَثُرت فيه الفتَنُ والبلايا، وعَظُمت فيه المحن والرَّزايا، وادلهمَّت فيه الخطوب، وتجلّت فيه الكروب، إنّه زمان الرّويبضات الّتي ملأت الدنيا جورًا وظلمًا، لقد ساد السَّفيه، وتمكّن الخائن، وقيل للحقّ باطل، وللباطل حقّ، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه. إنّ الرويبضة تراه ينعق في كلّ واد وناد، ويتيه ويهيم في كلِّ ما لا يعنيه، وينقنق نقنقة الضفادع الغائرة في الطين. إنّ هؤلاء الرويبضات ديدنهم الكذب، وشعارهم التّدليس، لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمّة، نذروا أنفسهم للشيطان، وتمرَّدوا عن طاعة الرّحمن، وفسقوا عن أمر ربّهم خالق الإنس والجان، إذا رأوا عالمًا أو طالبَ علم ولَغُوا في عِرْضه ولوغ الكلاب في النتن، فتارة يتغامزون، وأخرى يهمزون ويلمزون، غافلون عن قول الباري عزّ وجلّ: {وَيْلٌ لكلّ هُمَزَةٍ لّمزة}، وقوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ}. إنّه لن يكون حالُ الأمَّة أسوأ ولا أقبح من حالها حينما يعلو الزَّبَدُ، وما ينفع النّاس يذهب جفاءً، حينما ينطق فيهم الرويبضة ويصول ويجول، وتخلو له السّاحة. يَا لَكِ مِنْ قنبرة بمعمر خَلاَ لَكِ الجوُّ فَبِيضِي وَاصْفِرِي وَنَقِّرِي مَا شِئْتِ أَنْ تُنَقِّرِي قَدْ رَحَلَ الصَّيَّادُ عَنْكِ فابشري وَرُفِعَ الفَخُّ فَماذَا تَحْذَرِي لاَ بُدَّ مِنْ صَيْدِكِ يَوْماً فاصبري إنّنا في زمن قلَّ فيه المناصرون، وكثُر المثبّطون والمرجفون، وزمجر الفساد والمفسدون، وشُجِّع المبطلون، وكُبِت أهلُ الحقِّ والدِّين، وتخلّى الأمناء والشّرفاء، ورفع (الشياتون) السّفهاء، وتظاهر بالوفاء كلُّ خوّان أثيم، وإذا غدَا القرد ليثًا فعلى الدنيا السّلام.. وعود على ذي بدء.. ونطق الرويبضة. *إمام مسجد عمر بن الخطاب - براقي