خَلقَ اللّه عزّ وجلّ السنة وعدّة شهورها اثنا عشر شهرًا، وقد جعل اللّه تعالى منها أربعةً حُرُم، حرَّم فيها القتال تعظيمًا لشأنها، وهذه الأشهر هي: ذو القعدة، ذو الحجة، مُحرَّم ورجب. قال تعالى: {إنّ عِدَّة الشّهور عند اللّه اثنا عشر شهرًا في كتاب اللّه يوم خَلَق السّموات والأرض منها أربعة حُرُم ذلك الدِّين القيّم فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم}، التوبة:63. وقد علم المشركون ذلك، لكنّهم كانوا يؤخّرون فيها ويقدّمون على هواهم، ومن ذلك: أنّهم جعلوا شهر صفر بدلاً من المحرَّم! وكانوا يعتقدون أنّ العمرة في أشهر الحجّ من أفجر الفجور، قال ابن عباس رضي اللّه عنهما: ''كانوا يرون أنّ العمرة في أشهر الحجّ من أفجر الفجور في الأرض، ويجعلون المُحرَّم صفرًا، ويقولون: إذا برأ الدَّبر، وعفا الأثر، وانسلخ صفر: حلَّت العمرة لمَن اعتمر''، رواه البخاري ومسلم. أمّا التشاؤم من شهر صفر فقد كان مشهورًا عند أهل الجاهلية، ولا زالت بقاياه في بعض النّاس، فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ''لا عدوى ولا طيرة ولا هامَة ولا صَفَر، وفرّ من المجذوم كما تفرّ من الأسد''، رواه البخاري. وفي حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه، السالف الذِّكر، بيان أنّ اعتقاد أهل الجاهلية في صفر مذموم، فهو شهر من شهور اللّه لا إرادة له إنّما يمضي بتسخير اللّه له. وقد وردت أحاديث مكذوبة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن شهر صفر، منها حديث: ''مَن بشّرني بخروج صفر بشّرتُه بالجنّة''، وحديث: ''يكون صوت في صفر ثمّ تتنازع القبائل في شهر ربيع، ثمّ العجب كلّ العجب بين جمادى ورجب''، ومنها: ''إذا كانت سنة كذا وكذا وقع كيت وكيت، وإذا كان شهر كذا وكذا وقع كيت وكيت''.. وغيرها. وقد حدث في شهر صفر غزوات وأحداث مهمّة في حياة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، غزوة ''الأبواء'' وهي أوّل غزوة غزاها عليه الصّلاة والسّلام بنفسه، وكانت في صفر. وغزوة ''بئر معونة'' في السنة الرابعة من الهجرة النّبويّة الشّريفة. وخروج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى خيبر، في أواخر المُحرَّم وفتحها في صفر، وكذا سرية ''قطبة بن عامر بن حديدة''. وقدوم وفد عُذرَة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في صفر سنة تسع من الهجرة، وقدوم قوم من عَضَل والقارة على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم سنة ثلاث من الهجرة، وذكروا أنّ فيهم إسلامًا، وسألوه أن يبعث معهم مَن يُعلِّمهم الدِّين ويقرئهم القرآن، فبعث معهم ستة نفر، وقيل عشرة، منهم خُبيب بن عدي، وأمَّر عليهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي، فذهبوا معهم، وفي الطريق غدروا بهم، فقتلوا عامتهم واستأسروا خبيب بن عدي وزيد بن الدَّثِنة، وذهبوا بهما وباعوهما بمكة.