إنّ القرآن الكريم حبل اللّه المتين والذِّكر الحكيم والصّراط المستقيم، لا تنقضي عجائبه ولا تنتهي غرائبه، لما فيه من حلاوة ولما عليه من طلاوة، وذلك أنّ أعلاه لمثمر وإنّ أسفله لمغدق، وأنّه يعلو ولا يُعلى عليه. هو رسالة اللّه تعالى إلى النّاس كافة في كلّ زمان ومكان، قال تعالى: {تبارك الّذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا}، وكتب اللّه تعالى له الحِفظ والنّقل المتواتر دون تحريف أو تبديل، قال تعالى: {إنّا نحنُ نزَّلنا الذِّكر وإنّا له لحافظون}. وأمرنا اللّه سبحانه أن نتدبّره ونحسن فهمه والتّفقّه فيه، فقال: {أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها}، وجعل اللّه بركة القرآن الكريم في اتّباعه والعمل به، فقال: {وهذا كتابٌ أنزلناه مبارَك فاتّبعوه واتّقوا لعلّكم تُرحمون}. وأمر اللّه تعالى هذه الأمّة أن تأخذ بالقرآن الكريم كلِّه في شتّى مرافق الحياة وطالبها، فقال تعالى: {وأن احكُم بينهم بما أنزل اللّه ولا تتّبِع أهواءهم}، وحذّرها أن تهجره، فقال: {وقال الرّسول يا ربِّ إنّ قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجورًا}. يقول العلامة ابن القيم: ''هجر القرآن أنواع: هجر سماعه، الإيمان وهجر العمل به، وإن قرأه وآمن به وهجر تحكيمه والتحاكم إليه، وهجر تدبّره وتفهّم معانيه، وهجر الاستشفاء به''. وذَكر الحقّ سبحانه أنّ القرآن شفاء للنّاس من جميع العلل والأمراض، فقال: {ونُنَزِّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين}. إنّ القرآن الكريم كتاب يهذِّب الأفراد والمجتمعات ويبني الحضارات ويدعو إلى ثقافة السِّلم بين الشعوب، وهو صالح لكلّ زمان ومكان، وكما قال العزّ بن عبد السّلام رحمه اللّه: ''جاءت الشّريعة الإسلامية لجلب مصالح العباد وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها''، وكما قال ابن تيمية رحمه اللّه: ''القرآن الكريم منبع لكلّ علم وحكمة''. ومن ثمَّ فإنّ تعلّم القرآن وقراءته من أفضل القُربات إلى اللّه تعالى، ويحظى صاحبه بالسّعادة في الدّنيا والآخرة. ففي صحيح البخاري عن عثمان بن عفّان رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ''خيرُكم مَن تعلَّم القرآن وعلّمه''. وذكر الإمام الذهبي عن جندب بن عبد اللّه قال: ''كنّا غلمانًا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فتعلّمنا الإيمان قبل أن نتعلَّم القرآن فازددنا به إيمانًا''، معناه: أن تعلّم القرآن من وسائل زيادة الإيمان. ويعتبر تعليم القرآن من مظاهر الدعوة إلى اللّه بل هو من أشرف المظاهر، قال عزّ وجلّ: {ومَن أحسنُ قولاً ممّن دعَا إلى اللّه وعمِل صالحًا وقال إنّني من المسلمين}. يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني: ''القرآن أشرف العلوم فيكون من تعلّمه وعلّمه لغيره أشرف ممّن تعلَّم غير القرآن وعلَّمه''. ويقول الحافظ ابن عبد البَرّ: ''القرآن أصل العلم، فمَن حفظه قبل البلوغ كان ذلك عونًا له على فهمه''. إنّ الأمّة الإسلامية اليوم المعذَّبة في ضميرها والمضطربة في أخلاقها لا عاصم لها من الهاوية ومن الفتن إلاّ بالرّجوع إلى القرآن الكريم، فهو عمدتها وشرفها وفيه فلاحها وصلاحها وعزّها. *عضو المجلس العلمي بالجزائر العاصمة